نحو تأميم النفط العراقي ـ محمد سلمان حسن

الدكتور محمد سلمان حسن

نحوَ تأميم النفط العراقي

دار الطليعة للطباعة والنشـر ـ بيروت

مقدمة في الإطار السياسي العملي

بقلم عبدالوهاب محمود

يتناول كتاب الدكتور محمد سلمان حسن أهم وأخطر معضلة يواجهها العراق ، وهي قضية النفط ، التي اصبح حلها مفتاحا لجميع مشاكله الاخرى. ويقدم هذا الكتاب صورة لهذه المشاكل عن طريق دراسة اخطر واحدة من بينها

ان تاريخ العراق الحديث منذ العقد الأخير للقرن الماضي ، والى ان أسست دولة العراق في مطلع العقد الثالث من هذا القرن ، وحتى هذه الساعة ، يدور حول قضية النفط . فبسبب استغلال النفط ، قام ذلك التنافس الحاد على استعمار العراق بين الدولتين الاستعماريتين ، بريطانيا العظمى والمانيا القيصرية ، طيلة الثلاثين سنة التي انتهت بنشوب الحرب العالمية الاولى . وقبيل تلك الحرب ، اعلن ونستن تشرشل ، في ١٧ كانون الثاني۱۹۱۳ ، سياسة بريطانيا الاستعمارية تجاه النفط ، وقد قصد بالدرجة الاولى نفط العراق ، بقوله ( يجب علينا ان نكون المالكين ، أو على أي حال ، المسيطرين على الجزء الذي نحتاج إليه على الأقل ، من مرافق النفط الطبيعية في مصادرها ) . وبذلك عبر عن مصلحة بريطانيا في استعمار هذه البلاد واستغلال ثروتها النفطية ، والانفراد بذلك في وجه المنافسين الآخرين ( فإن حيازة المستعمرة هي وحدها تعطي الاحتكارات الضمانة التامة للنجاح ضد كل طوارىء الصراع مع الخصم ، كما قال لينين.

وبعد الحرب العالمية الأولى ، نشأ عاملان جديدان تحكما في تطور العراق السياسي والاقتصادي، العامل الاول هو شروع الاستعمار الامريكي بمنافسة الاستعمار الانكليزي على نفط العراق ، والثاني نشوء النظام الاشتراكي نتيجة نجاح ثورة اكتوبر وقيام اول دولة اشتراكية في تاريخ العالم . تقول [ لجنة التجارة الاتحادية الامريكية في تقريرها عن الاحتكار البترولي الصادر في عام ١٩٥٢ ، حول التنافس الشديد بين امريكا وانكلترة على نفط العراق ( كان يكمن وراء هذا النزاع صراع بين شركات النفط الكبرى في الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى حول منابع النفط في الشرق الاوسط اسندته بقوة الحكومتان الامريكية والبريطانية ، . ولم ينته هذا الصراع إلا في عام ۱۹۲۸ عندما سوت القوى الاستعمارية خلافاتها ، وقسمت النفط العراقي فيما بينها بمعزل عن مالك النفط الاصلي ، وبدون الاهتمام بإرادته او مصالحه.

وعن طريق هذه العملية تطور احتكار البترول الدولي ، فأصبح اليوم العمود الفقري للاستعمار الجديد ، لذلك اضحى الخلاص منه هو السبيل لتحرير البلاد تحريراً نهائياً ، وتوطيد استقلالها السياسي والاقتصادي وتحقيق حياة رغيدة لابنائها . فبهذه القضية ترتبط جميع قضايا التحرر الوطني ، وعلى اساسها الاتجاهات السياسية للحكومات والمنظمات والافراد تقوم ومواقفها مع الجانب الوطني أو ضده. فليست قضايا النفط مجرد عمليات تجارية، كما تحاول الشركات الاحتكارية ومؤيدوها تصويرها ، انها جوهر قضية التحرر الوطني والتحول الاجتماعي - الاقتصادي في العراق . ومن هذا نستخلص بأن ما طرأ على العراق من تطورات سياسية أو من تحولات في المجتمع كان محكوما ، بالدرجة الاولى ، بعامل خارجي اساسي هو تطور نظام الاستعمار العالمي .

لقد قامت السياسة البريطانية بعد احتلال العراق ، على الاعتماد على شيوخ الاقطاع في الريف والبيوتات الكبيرة والتجار في المدن، وعملت السياسة البريطانية على اساس من ايجاد وحدة في المصالح بين هذه الطبقات والاستعمار البريطاني ، وقد ساعد على ذلك انحلال المجتمع العراقي المتخلف بهيا كله القديمة في العهد العثماني [ مثل نظام البداوة والاقتصاد الريفي المغلق والنظام الحرفي في الصناعة ] . ووضعت بمرور الايام تشريعات عديدة التوطيد نظام العهد البائد [ شبه الاقطاعي_ شبه الاستعماري ] كنظام دعاوى العشائر واللزمة وقانون حقوق وواجبات الزراع الخ ... كما وضع اساس لصرف موارد النفط التي اخذت بالتزايد في الفترة الاخيرة من العهد البائد بحيث يتحول القسم الاكبر منها الى الخارج عن طريق الشركات الاجنبية ، المقاولة والمجهزة بواسطة مجلس الاعمار.

وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية ، تطور التضامن بين حركات التحرر الوطني والنظام الاشتراكي العالمي، مما ساعد على التحول التدريجي ، الذي طرأ وما يزال على هذه الحركات نحو الاشتراكية ، فقد اصبحت الاشتراكية عامل جذب لشعوب المستعمرات والدول النامية ، مما حدا بالاستعمار الى التحول من اسلوب الاستعمار القديم الى الاستعمار الجديد، واجرت الرأسمالية تحولات اساسية في بنيتها الاجتماعية فأصبحت نظاماً امبرياليا موجداً ، ولجأت الى اشكال واساليب جديدة اكثر تستراً ونهباً للشعوب ، بغية الابقاء على المواقع القديمة في اقتصاد هذه البلدان ، بحيث اصبحت السياسة الاستعمارية المعاصرة وتطبيقها العملي يكون نشاطاً فريداً من نوعه لكافة الاساليب الممكنة للاستغلال الاستعماري .

كانت السياسة الاستعمارية ، وما تزال ، مكافحة جميع قوى التحرر الوطني والتوحيد القومي تحت شعار مكافحة الشيوعية . ففي ظل العهد البائد كانت السياسة الداخلية ، تقوم على حرمان الشعب من ابسط حقوقه السياسية ، مستندة الى دور القوات القمعية المتعاظم تعاظم الوعي الشعبي والتطور السياسي الوطني او يزيد. اما على الصعيد الدولي فقد ساهم النظام الملكي في جميع التكتلات الاقليمية التي شجعها الاستعمار أو شارك فيها، والتي استهدفت ضرب طوق من الحصار على الاتحاد السوفياتي . فقد ساهم العراق في ميثاق سعد أباد والمعاهدة التركية العراقية لعام ١٩٤٧ وحلف بغداد.

ولكن خلال هذه الفترة، التي شدّد فيها الاستعمار من قبضته على خناق الشعب العراقي ، كان النضال لاسقاط النظام شبه الاقطاعي شبه - الاستعماري يتزايد والانتفاضات الشعبية تتواصل .

ففي اعوام ١٩٤٨ و ١٩٥٢ و ١٩٥٦ قامت حركات ثورية جعلت النظام المذكور يترنح تحت ضربات الجماهير ، واريقت

دماء غزيرة في شوارع بغداد وغيرها. وعندما نضجت الظروف الموضوعية والذاتية لنجاح الثورة ، بافتضاح عمالة الحكم الملكي

الاقطاعي ، وذلك من خلال موقفه من حركة التحرر العربي التي أصبح تأثيرها حاسماً بعد خروجها ظافرة من معركة السويس وتأميم القناة ، كان حصيلة ذلك ثورة ١٤ تموز

لقد حاولت الاوساط الاستعمارية والرجعية في الخارج والداخل أن تلقي ظلال الشك على ثورة تموز ، وتؤكد طبيعتها الانقلابية المسكرية المزعومة ، حقداً منها على هذه الثورة الوطنية التي اكتسبت جمال تفجيرها اهمية تاريخية حاسمة ، لانها انزلت بالاستعمار ضربة قاصمة احدثت تبدلاً جذرياً في الوضع السياسي في الشرق الاوسط ، وقلبت الخطط الاستعمارية رأساً على عقب، ومدت حركة التحرر العربي بروح ثورية هائلة ، اثارت اشد الفزع في جميع القوى الاستعمارية والرجعية في العالم . وقد يسأل المرأ عن اسباب فشل ثورة ١٤ تموز رغم اهميتها العظيمة هذه ؟

لقد ذهبنا ، من قبل إلى ان طبيعة ثورة تموز لا تحددها الصفة العسكرية للفئات التي اطلقت شرارتها ، بل طبيعة التناقضات الاجتماعية التي فجرتها الثورة ، ونوعية التركيب الطبقي للمجتمع ، وماهية النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي انصرف العهد الملكي المباد لتثبيته ، وهو نظام قاعدته الاقتصادية التبعية الكاملة للاقتصاد الاستعماري ويتصف بالتسيب وفقدان التخطيط وغلبة الطابع الزراعي واساسه الاقطاعي . ومن خصائصه التخلف وعدم التوازن في التركيب الاقتصادي ، واستفحال مظاهر الاحتكار والطفيلية والاقليمية الضيقة . ولهذا شخصت طبيعة ثورة تموز بأنها ثورة وطنية موجهة ضد الاستعمار ، وديمقراطية موجهة ضد الاقطاع والاستغلال ، وقومية باعتبارها جزء من الثورة العربية·

لقد تعثرت ثورة تموز في تحقيق مهامها ، بسبب من ضعف العوامل الذاتية بالرغم من توفر الظروف الموضوعية . اذ ان تمزق جبهة الاتحاد الوطني ، وعجزها عن مجابهة مشاكل الوضع الثوري الجديد ، بسبب طبيعتها كجبهة إئتلاف وطني ينحصر ميثاقها في تحقيق الجانب السلبي ، وهو الاطاحة بالنظام الملكي، ولا فتقادها لاتفاق على ستراتيجية واضحة ونظام داخلي عملي . كما ان ايمان القادة العسكريين بالحكم الفردي ، الى جانب الطابع المزدوج للبرجوازية وهو مناهضة الامبريالية من جهة وجمودها في الحفاظ على النظام الرأسمالي من جهة اخرى ، مما حال دون استمرار تحالف القوى المعادية للاستعمار وقوى الثورة الاجتماعية كما حال دون تطور الصداقة مع المعسكر الاشتراكي الى تعاون فعال على اساس من المنافع المتبادلة . وقد انعكس ذلك في ترددها على الصعيد الدولي بين المعسكرين ، وفي تذبذبها بين قوى الثورة المضادة في الداخل. كل ذلك قد ادى الى تعثر ثورة ١٤تموز وبالتالي إلى عدم تحقيق نفسها .

ويترتب على ما تقدم ان نستخلص الحل السليم للمشاكل القائمة ، التي عجزت ثورة تموز عن حلها حتى الان . ويمكن تلخيصه بالثورة المركبة، كما سماها المؤلف ، والتي تنجز الاستقلال التام بالتخلص نهائيا من الاحتكار البترولي الدولي وتهيء الاسباب للتحول الى النظام اللارأسمالي كمرحلة إلى الاشتراكية

ان استمرار ثورة ١٤ تموز واستكمالها لانجاز مهامها ، يقتضي تحديداً لأيديولجية الثورة ، قوامه الثورة المركبة - وغني عن البيان ان المقصود بالثورة في هذا الصدد انما هو المعنى العلمي اي تحول المجتمع من مرحلة الى مرحلة اعلى منهــــا - كما يقتضي تشخيصاً جديداً لقوى الثورة وبالتالي قيام تحالف ستراتيجي و فعال بينها . وينبغي لتحقيق ذلك الاتفاق اولاً على ان الهوية الوطنية للفكر والعمل ، في العراق ، ترتبط بالنضال للتحرر من ربقة الاحتكار البترولي الدولي . لأن ذلك هو السبيل لانجاز الاستقلال التام وتهيئة الظروف الملائمة للتحولات الاجتماعية .

ان التحرر من التبعية الاقتصادية والسياسية نهائيا ، لا يمكن انجازه الا عن طريق التحول من النظام الرأسمالي الى المجتمع الانتقالي الى الاشتراكية . اما السبيل السياسي لتحقيق ذلك فهو قيام جبهة تقدمية تتولى تكوين القاعدة الشعبية العريضة لمثل هذا النظام . وتحقيق اهداف الثورة عن طريق حكومة اتحاد تقدمي لم [ جبهة تقدمية ] وليس [جبهة وطنية ] ؟ . لقد تغيرت منذ ثورة تموز مواقف الفئات والطبقات . فالبورجوازية التي كانت صفتها الاولى مناهضة الامبريالية والاستحواذ على وسائل من انتاجها وارباحها في الداخل ، اصبحت ركبها تصطك التحول الاجتماعي الذي يهدد مصالحها. لهذا فمواقفها تؤول من حيث النتيجة ، الى صف الثورة المضادة ، وهي ليست مستعدة للمشاركة في قيادة اية حركة تقدمية تستهدف تحويل المجتمع نحو الاشتراكية .

اما عناصر هذه الجبهة - على صعيد المشرق العربي - فاننا د ثلاث قوى فعالة تستحوذ على مجمل النشاط الفكري والسياسي في البلاد العربية ، ومن بينها العراق بطبيعة الحال ، و اولى هذه القوى التيار الاشتراكي الناصري ، وثانيها التيار الاشتراكي البعثي ، وثالثهما التيار الماركسي المنظم والمستقل.

اما في العراق ، على وجه الخصوص ، فان اية جبهة تقدمية، يراد لها النجاح في انجاز مهام الثورة المركبة ، وبالدرجة الاولى تكوين قاعدة شعبية عريضة وتحالف وثيق بين القوى العاملة في المدن والارياف والقوي المثقفة وكل من له مصلحة في الاستمرار بالثورة الى اتمام جميع اهدافها ، لا يمكن ان يتوفر النجاح لها الا بتعاون هذه القوى الثلاث تعاوناً مخلصاً ، بعد تصفية عقابيل الاحقاد والضغائن السابقة، وعلى اساس صيغة محددة وستراتيجية واضحة

ان المشاكل القائمة في طريق تعاون هذه القوى عظيمة جداً. ولكن ينبغي لمصلحة الجميع تذليلها والتغلب عليها.

وقيام جبهة تقدمية في العراق وفي البلاد العربية الاخرى خطوة اساسية لقيام سلطة الشعب وتحقيق الوحدة على

اساس ديمقراطي شعبي - تلك المهمة التاريخية الكبرى.

ومهما كانت اهمية الاسباب التي حالت دون قيام جبهة تقدمية حتى الان ، فان الموقف الراهن الدولي والعربي والداخلي يفرض على جميع القوى التقدمية في البلاد الارتفاع الى مستوى مسئولياتها ، بتذليل العقبات التي تعترض طريقها الى التحالف .

ان المؤلف في بحثه عن الاستعمار الجديد ، وطبيعة الثورة العربية ، وفي المعادلتين اللتين وضعهما لتصنيف النقيضين في الحركة العربية ، المعادلة التي تضم [ التقدمية العربية - تأميم البترول العربي - تحرير فلسطين- التعاون مع المعسكر الاشتراكي ] كنقيض للمعادلة التي تضم [ الاستعمار الجديد - الاحتكار البترولي الدولي- اسرائيل -الرجعية العربية ] ، كما انه في طرحه لاقتراح تقنين انتاج البترول العربي ، لتسهيل مهمة العراق في تأميم المصالح البترولية ، الاحتكارية ، منعاً لمحاولة اجهاض وخنق عملية التأميم بإغراقها بفيض من الإنتاج ، انه في كل ذلك ، انما يضع اساساً فكرياً للجبهة التقدمية ، ويساهم في تسهيل مهمتها .

ان هذه القوى الثلاث يدعو كل منها بشكل أو بآخر إلى تحويل المجتمع من الرأسمالية الى الاشتراكية . فالتجربة المصرية رغم تحقيقها تحولات اجتماعية مهمة ، فإنها لم تنتقل بعد إلى الاشتراكية، إذ إن ذلك يقتضي تحول السلطة من يد البرجوازية الوسطى والبيروقراطية إلى يد الشعب . اما في سوريا فرغم الإنجازات المهمة ولا سيما في بناء قطاع نفطي وطني مستقل عن احتكار البترول الدولي، فإن الاشتراكية لن تتحقق ما لم تتحول السلطة من يد البرجوازية الصغيرة الى يد الشعب . وينطبق ذلك على العراق ، إذ لا بد من انتقال السلطة الى يد الشعب- بعربه واكراده - إذ انه بدون سلطة الشعب ، لا يمكن إنجاز الاستقلال الاقتصادي التام والتحرر الناجز من احتكار البترول الدولي ، وبناء المجتمع الانتقالي الى الاشتراكية حيث تتم تلبية الحقوق القومية للشعب الكردي والمطامح القومية للشعب العربي في العراق .

بغداد في ٢٠ آب ١٩٦٧

الفصل الأول

طبیعة الاستعمار الجديد والثورة العربية والمعركة الحاضرة

من الضروري استهلال هذه الرسالة بتحديد بعض المنطلقات العامة التي تنطلق منها ، أو نقاط الابتداء التي تقوم عليها ، وذلك لبيان مركز تأميم النفط العراقي وتقنين النفط العربي في الموقف الراهن .

تقوم المقدمة الأولى لهذه الرسالة على تحديد معين لطبيعة ( الاستعمار الجديد) بقدر ما ينعكس على الوطن العراقي والامة العربية ، وعلى بيان معلوم لمركز اسرائيل في هذا النظام الاستعماري ودورها الخاص في العالم العربي .

لقد أجرت الرأسمالية العالمية ، منذ نهاية الحرب العالمية

الثانية ، تحت ضغط الخطر المتعاظم للنظام الاشتراكي وحركة التحرر الوطني على مستقبل الامبريالية ، تحولات اساسية في كيانها الاجتماعي - الاقتصادي لمتابعة مهمتها الاستغلالية على حساب العمل المنتج ومواصلة سيطرتها على العالم .

وتتجسد هذه التحولات في تعاظم دور الدولة في الرأسماليات المتقدمة ، والتخفيف من حدة التناقض بين قطاعاتها ودولها المختلفة ، والحد الواعي من ظواهرها المرضية الحادة ) كالبطالة الجماهيرية ، والازمات الاقتصادية ، والتضخم النقدي الخ ) . كما تتجسد في تجديدها لقوى الانتاج تحت شعار الثورة الصناعية الجديدة القائمة على إحلال المكننة والأتمتة محل العمل البشري ، وعلى استخدام الطاقات الحرارية والمواد الأولية الاصطناعية الأرخص محل الطاقات والمواد الطبيعية الأغلى . وكذلك تتجسم في السياسات التدخلية ( المالية والنقدية والاقتصادية - العسكرية ( الرامية الى تحقيق درجة من التوازن بين الانتاج والدخل أو الانفاق على الاستهلاك والاستثمار ، مما يؤدي الى توسيع اسواقها الداخلية، ولا سيما بروز ظاهرة الاستهلاك الشعبي .

ويبرز التطور الذي حصل على ( آلية ) النظام الرأسمالي التفاعل المتبادل والتساند بين الاستثمار الاستعماري في تطوير

انتاج المواد الخام الصناعية ، وبين تدهور نسب التبادل التجاري بين العالم الرأسمالي والعالم الثالث . فقد ارتفع مبلغ الاستثمار الاستعماري من ١٩٥٠ الى ١٩٦٠ بحوالي ٤٧٫٤ بليون دولار اما فوائد وأرباح رأس المال الاستعماري المحولة الى المراكز المالية الاستعمارية ، فقد بلغت ۲۰٫۸ بليون دولار . وهذا يعني هبوط قيمة الاستثمار الاجنبي الصافي الى ٢٦,٥ بليون دولار خلال العقد المذكور . ويخمّن انخفاض القوة الشرائية المجموع تجارة التصدير من الاقطار النامية ، بسبب من تدهور نسب التبادل التجاري بحوالي ۱۳٫۱ بليون دولار . وهذا يعني ان تدهور نسب التبادل التجاري يلغي حوالي نصف تأثير الاستثمار الاجنبي الصافي على الدخل والاستخدام في اقتصاد العالم الثالث (۱)

ويتجلى التحول الذي طرأ على المشروع الرأسمالي في ظل الاستعمار الجديد ، في الانتقال من الشركة الصناعية - المصرفية ذات الوطن أو الدولة الواحدة الى المؤسسة الرأسمالية الاحتكارية متعددة الاوطان أو الدول الى درجة تكاد تجعلها عالمية في نطاق عملها وسعيها من أجل الربح الأقصى .

.

وتتضح هذه الخاصية في تطور احتكار البترول الدولي بأجلى صورها . وخير مثال على هذا التطور شركة ستاندرد أويل أوف نيوجيرسي.

فقد تطورت من شركة نفط محدودة في ولاية واحدة الى مؤسسة احتكارية عالمية. لقد ارتفعت قيمة موجوداتها من حوالي مليون دولار في الربع الاخير من القرن الماضي الى حوالي ١١,٤٨٨ مليون دولار في ٣١ كانون الاول ١٩٦٢ . وفي نفس السنة ، بلغ مجموع ايراداتها حوالي ١٠,٥٦٧ مليون دولار ، بينما بلغ دخلها الصافي حوالي ٨٤١ مليون دولار. ويلاحظ ان ٦٧٪ من مجموع موجوداتها المستثمرة في امريكة الشمالية كانت تدر عليها ٣٤ % من ايراداتها ، بينما نجد ان ۱۳٪ من موجوداتها في الخارج تدر عليها ۲۷ ٪ من ايراداتها . كما انها تملك ٥٠ ٪ او اكثر من أسهم ٢٧٥ شركة فرعية ، في ٥٢ قطراً من اقطار العالم ، منها ١٥٧ شركة فرعية في امريكة الشمالية ، و ٤٣ في امريكة الجنوبية ، و ٧٧ في اوربة ، و ١٤ في آسية ، و ٩ في افريقية ، و ١٨ في بقاع العالم الاخرى . اما نطاق اعمالها التسويقية فيربو على مائة

قطر (۱)

.

ولا يشير هذا الى درجة التعقيد التي بلغتها مصالح شركة ستاندرد أويل داخل امريكة قائدة الاستعمار البترولي العالمي ، وخارجها وخاصة في دول العالم الثالث فقط ، بل يشير ايضاً الى ان الارباح العظيمة التي تحققها صناعة النفط العالمية ، ولاسيما في العالم العربي ، انما تغني بعض الشيء عن تصدير رأس المال الامريكي الى دول العالم الثالث ؛ بل يكون تحويل الارباح الناجمة عن الاستثمار الاستعماري السابق مصدراً مهما لتوريد رأس المال الى داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها . ففي عام ١٩٦٢ ، بلغت ارباح شركة ستاندرد أويل الموزعة على مساهميها ، الأمريكيين على الاغلب ، حوالي ٥٣٨ مليون دولار، بينما بلغ دخلها الصافي في اعمالها داخل الولايات المتحدة ٣٠٩ ملايين دولار فقط ويترتب على هذا ان ٤٠٪ من الارباح الموزعة ، زائداً الاستثمار الحاصل من مثل هذه الشركة في الولايات المتحدة ، إنما تم تحويله من ارباحها الناجمة عن عملياتها الخارجية

لا تشمل العمليات الاقتصادية الدولية لشركة ستاندرد أويل استخراج مادة النفط الخام ، والنقل بالانابيب والناقلات البحرية ، وعمليات التصنيع البترولي - الكيماوي واخيراً عمليات بيع المنتوجات النفطية في مختلف انحاء العالم فقط ، بل تتعداها ايضاً الى عمليات تجهيز الغاز السائل وأنابيبه ، وانتاج المطاط والمواد البلاستيكية ، والمنتوجات البترولية - الكيماوية الاخرى ، وصناعة الاسمدة الكيماوية . بل انها تقوم بالابحاث اللازمة حتى لأنتاج الاغذية من النفط ، إذ انها انتجت مسحوقاً نفطياً ابيض يشبه مسحوق الحليب( 1 )

كانت ستاندرد أويل تعتبر نموذجاً شاذاً ، وإن كان مهما ، في الاقتصاد الامريكي قبل الحرب العالمية الثانية . إلا أن نموذج المؤسسة الرأسمالية الاحتكارية على نطاق عالمي أصبح هو القاعدة للاقتصاد الاستعماري الامريكي بعدها . فكما جاء في المجله الرأسمالية الامريكية المعروفة : « لقد وجدت الشركات الامريكية، في صناعة تلو أخرى ، أرباحها فيما وراء البحار متصاعدة ، ومردودها على الاستثمارات الخارجية في ارتفاع ، بينما أخذت وتاثر ارباحها على عملياتها الداخلية بالانخفاض و اجتماع العاملين ادى الى تطور الشركة العالمية( 1 )

.

وعلى هذا ، فقد ارتفعت الاستثمارات الامريكية في الخارج من ۲,۷ بليون دولار في ١٩٤٦ الى ۷,٣٤ بليون دولار في ١٩٦١ ، وجاءت معظم هذه الزيادة في الاستثمارات الخارجية من خلال الارباح الناجمة عن الاستثمارات السابقة . إذ إن مجموع الاستثمارات الامريكية المباشرة في الخارج بلغت ۱۳٫۷ مليون دولار خلال الفترة ١٩٥٠ - ١٩٦١ ، بينما بلغت الاستثمارات الخارجية ٢٣٫٢ مليون دولار خلال الفترة نفسها . وهذا يعني ان الشركات الاحتكارية الامريكية استطاعت ان تزيد استثماراتها في الخارج بحوالي ۲۷٫٥ بليون دولار في نفس الوقت الذي حصلت فيه على ٩,٥ بليون دولار زيادة في دخولها من الارباح على تصديرها لرؤوس اموالها . وعلى هذا ، يبدو أن الاستثمارات الاجنبية انما هي ابعد ما تكون وسيلة لتنمية الاقطار المتخلفة ، وأقرب ما تكون وسيلة لتحويل الثروة من الاقطار الفقيرة الى الاقطار الغنية ، وبالتالي لمد سيطرة الاقتصاد الاستعماري على اقتصادات العالم الثالث.

وتطور نموذج ( المؤسسة الاحتكارية العالمية) ، انما يشير الى تعقد وتنوع مصالحها ، وإلى كونها غالبا ما تكون متناقضة لا متكاملة . وقد اماطت المجلة الرأسمالية المذكورة اللثام عن طبيعة هذا التطور بقولها : هدف المؤسسة المتعددة الاقطار انما المنفعة القصوى لمجموع المشروع ، حتى وان كان لا بد وأن هو تضار مصالح احد اجزائها. فمثلاً ، يقر الصناعيون الامريكيون انهم يعاقبون شركاتهم الفرعية فيما وراء البحار لمصلحة مجموع المؤسسة من خلال اجبارها على دفع ما يزيد على ما هو ضروري عما تستورد من اجزاء من الشركة الام أو فروعها. ويقول أحد مدراء الشركات : « نقوم بذلك حينما نتوقع او نجابه تقييدات على تحويل الارباح. إذ اننا نبغي سبيلا لإخراج أموالنا (١)

ومهما اختلفت المؤسسات الاحتكارية الاستعمارية ، فانها متحدة اتحاداً تاماً على أمرين : الاول انها تريد ان يكون حيز عملها في العالم على اوسع نطاق ممكن. والثاني انها تريد ان تكون قوانينه ومؤسساته ملائمة لتطور المشروع الرأسمالي الخاص تطوراً غير مقيد . وهذا يعني انها ليست ضد الثورات التحررية التي تستهدف بناء المجتمع الانتقالي إلى الاشتراكية فقط ، بل ضد مختلف اشکال رأسماليات الدولة التي قد تحد من مجالات الاستثمار الاجنبي وأرباحه المفرطة.

وخير ما يعبر عن وجهة نظر المؤسسات الاحتكارية الاستعمارية ما ورد في التقرير السنوي لشركة ستاندرد أويل لعام ١٩٦٢ حيث جاء : ( إن الحاجة اكثر الحاحا ، في الداخل والخارج، الى التنشبه الى اهمية الاستثمار الخاص للتقدم الاقتصادي. لقد أظهرت بعض الاقطار اتجاهاً نحو المشروع الحكومي من خلال مساهمة الدولة في المشروعات التجارية الجديدة ومن خلال تأميم المشروعات الخاصة القائمة ، معا . بيد ان مصالح هذه الامم تتحقق على خير ما يرام برعاية مجتمعات تقوم على تلك المشاريع الحرة التي انجبت التطور الاقتصادي البارز في العديد من الاقطار الاخرى . ومما يبعث على الاطمئنان الخطوات المتخذة ... لقيام صناديق المساعدات الاقتصادية الامريكية بتأمين وتشجيع مناخ للتقدم من خلال تأكيدها على أهمية الاستثمار الخاص في الأمم التي تتسلم المساعدة الأمريكية وضرورة حمايته. (۱)

جاءت هذه التحولات المهمة في الكيان الاقتصادي - الاجتماعي للنظام الامبريالي تعبيراً عن الوعي الرأسمالي الدفين لضرورة التصدي لظاهرة انتشار الاشتراكية ، ولاسيما ظاهرة تحول حركات التحرر الوطني الى الاتجاه الاشتراكي . وهذا التطور الذي حدث على ( آلية ) النظام الرأسمالي والاشكال الجديدة المتراكم الرأسمالي من جهة ، وانعكاساتها الواعية في الحد من امكانات تحول الثورات الوطنية الى الثورة الاشتراكية وزرع طريقها بالألغام من الجهة الأخرى ؛ انما هو ما يشكل اليوم ظاهرة ( الاستعمار الجديد ) .

إن ضرورة التكيف اللازم لمستلزمات التوازن الجديد في ميزان القوى العالمي ، وخاصة لمقتضيات تطور حركة التحرر الوطني نحو الاشتراكية ، جعل الاستعمار الجديد يهدف الى إحكام التبعية الاقتصادية ، وحصر نطاق الحركة التحررية في حدودها السياسية الشكلية ، وتبديل نظم استغلالية متخلفة ( كالاقطاع مثلا ) بنظم استغلالية عصرية ألصق بالرأسمالية العالمية وأعمق وعيا الخطر التحول الاشتراكي . كان النظام الاستعماري القديم يستند الى الاقطاع ، بينما أصبح الاستعمار الجديد ( يستند الى ( البرجوازية) كقاعدة اجتماعية وسياسية لنظم العالم الثالث ومؤسساته . بل يبدو ان الاستعمار الجديد يتحول عن الاعتماد على الاقطاع والبرجوازية المحلية ، حيثما يثبت ضعفها تحت تأثير تصاعد حركة التحرر الوطني تصاعداً كميا ونوعياً ، الى الاعتماد على كيان برجوازي دولي يخلقه خلق ويعده عصريا ويربط حياته وبقاءه بكيان الاستعمار الجديد اعداداً عصرياً ليقوم ، على المستوى المطلوب من الكفاءة ، بشل تطور حركة التحرر الوطني نحو الاشتراكية ، وليمكن الاستعمار الجديد من متابعة جوهره الاستغلالي في استثمار ثروات الشعوب استثماراً يطيل من أجل الاستعمار الجديد ويحد من تطورها الصاعد.

هذه هي المقدمة الأولى عن طبيعة ( الاستعمار الجديد ) اما المقدمة الثانية التي يقوم عليها هذا البحث فتخص طبيعة ( الثورة العربية ) لقد تطورت الثورات المعادية للاستعمار في الوطن العربي، خاصة منذ الحرب العالمية الثانية ، تطوراً (بسيطاً ) يقوم على هدف واحد وهو تحقيق ( الاستقلال الوطني ) القطري من جهة و ( الوحدة القومية ) الشكلية من الجهة الاخرى، خاليين من المحتوى الاجتماعي والمضمون الشعبي . إلا أن نضال الأمة العربية ضد الاستعمار الجديد قاد ثوراتها القطرية الى ان تصب في تيار الثورة العربية العامة، وعمق من طبيعتها ( الوطنية البسيطة) . وهو يحولها الى( طبيعة مركبة) قوامها ( الثورة الاجتماعية الهادفة ) الى بناء المجتمع الانتقالي الى الاشتراكية، و ( الثورة الشعبية ) الرائدة الى إقامة سلطة الشعب القائمة على تحالف العمال والفلاحين والبرجوازية الصغيرة تحالفاً ستراتيجياً وفق برنامج علمي مشترك وعلى اسس التنظيم الديمقراطي الثوري القائم على توفير الحرية لقوى الثورة دون استثناء ، و ( الثورة القومية ) الرامية الى التعبير عن ارادة الأمة العربية في الوحدة ذات المضمون الوطني والاجتماعي والشعبي . على ان يكون هذا التعبير حراً يقيم النظام السياسي الاجتماعي القومي الذي يؤمن لها دفاعها عن وجودها المهـــــــدد بالخطر ويفتح أمامها الطريق الرحب لتطورها الثوري الحر الذي يخدم مصالح الجماهير العربية ويعبر عن ارادتها بصدق واخلاص.

وتنطبق ضرورة التحول من الطبيعة (البسيطة) الى الطبيعة ( المركبة ) على الثورة العربية العامة برمتها ، كما تنطبق على كل وجه خاص من وجوهها : الوطني ، والاجتماعي ، والشعبي ، والقومي . إذ لا بد للثورة الوطنية ضد الاستعمار الجديد ، والثورة الاجتماعية لتحرير قوى الانتاج واحداث التحول والتطور الاقتصادي لصالح الجماهير ، والثورة الشعبية لإقامة أسس الدمقراطية الثورية ، والثورة القومية لتحقيق ارادة الأمة الحرة في بناء الوحدة الاشتراكية من ان تتطور عبر الكفاح والعمل من طبيعتها ( البسيطة ) المقتصرة على وجه واحد أو آخر من وجوه ( الثورة العربية ) الى طبيعتها ( المركبة ) التي تشمل هذه الوجوه جميعها . فقد بدأت مثلاً ، ( الثورة القومية ) من أجل وحدة الأمة العربية بداية ( بسيطة ) تقوم على تحقيق الوحدة الشكلية والتشريعية من دون وحدة راسخة في مضمونها الوطني، او الاجتماعي ، او الشعبي ؛ او بكلمة أخرى من دون وحدة في طبيعة النظام . الا ان النضال والممارسة تفرضان تطور ( الثورة القومية ) الى مستوى الثورة ( المركبة ) التي تقوم على وحدة النظام الاجتماعي - الاقتصادي – السياسي ، او على اساس تطور الأمة الاشتراكية الهادفة الى إقامة الوحدة الاشتراكية .

وكذلك تنطبق عملية التحول من الطبيعة ( البسيطة ) الى الطبيعة ( المركبة ) على قيادة الثورة من حيث وجهتها وعناصرها الطبقيتان . فقد نشأت الثورة الوطنية بقيادة البرجوازية الوسطى وسارت وفق سياستها الوسطية على الاغلب ، رغم بعض الاختلاف بين الاقطار والتفاوت بين السياسات . ثم جاء التحول الى الثورة الاجتماعية ومعه الانتقال الى قيادة البرجوازية الصغيرة. ويستلزم اطراد تطور الثورة العربية استيعابها عمودياً جماهير العمال والفلاحين (الثورة الشعبية ) وتوسيعها أفقياً بحيث تستهدف توحيد مجموع الوطن العربي ( الثورة القومية ) (١) .

كما يقتضي توسیع عناصر قيادتها لتمثل مجموع القوى الثورية للطبقات العاملة والفلاحية والبرجوازية الصغيرة ، وتطوير محتوى سياستها تطويراً يعبر عن ارادة الاكثرية الحرة ويؤمن مصالحها ، بحيث يتطور مركز ثقل القيادة المشتركة لهذه الطبقات الثورية وفق توازن القوى الحقيقي للطبقات الاجتماعية ومساهمتها الفعلية في تطور المجتمع وتقدمه نحو الاشتراكية.

إن عملية تحول الثورة العربية من ثورات وطنية ( بسيطة ) الى ثورة ( مركبة ) هي وطنية ، واجتماعية ، وشعبية ، وقومية في آن واحد ، انما نضجت عبر كفاح حركة التحرر الوطني العربي ضد الاستعمار الجديد ، وفي خضم التفاعل والتأثير فيما بين صنفيها « القومي » و « التقدمي » ، ومن خلال التجربة والخطأ وقد تجسد هذا التفاعل المتبادل في انتشار التنظيمات السياسية المتشابهة في الاقطار المختلفة ( مثال ذلك الاحزاب القومية والشيوعية والبعثية ) ، وفي حركات الاصلاح الزراعي ، والتأميم، والنظم السياسية ، في الاقطار العربية المتقدمة. الا ان اطراد الثورة العربية وتطور وتصاعد جوانبها الوطنية والاجتماعية والشعبية والقومية المتداخلة يفرض على القوى التقدمية التمسك بمبدأ قومية الثورة العربية والعمل على تحقيق وحدتها ؛ بينما يفرض على القوى القومية التمسك بمبدأ شعبية الثورة العربية والعمل على إرساء أسس الديمقراطية الثورية ؛ كما يفرض على كليهما الالتزام بمبدأ اشتراكية الثورة العربية والعمل على انجازها. وهذا يقتضي شعبياً المبادرة الى شق طريق الجبهات التقدمية الثورية على المستوى الوطني ، والجبهة العربية الثورية الموحدة على المستوى القومي ويستلزم اطراد تطور الثورة العربية وانتصارها ضد الاستعمار الجديد ، الذي يستند في قوته الى أدواته الرئيسية الثلاث وهي السلاح الذري واستكار البترول الدولي واجهزة الاستخبارات والمؤامرات الدولية ، ادراك طبيعة الصراع بين العالم الاشتراكي والعالم الاستعماري ، والعمل وفقها لتطوير قوى الأمة العربية الذاتية تطويراً أصيلا وخلافا يجعلها قادرة على التخطيط لتحويل علاقات الصداقة والتعاون الى علاقات التضامن الفعال المتصاعد الى التحالف مع جميع القوى المعادية للاستعمار الجديد ، ولاسيما قوى المعسكر الاشتراكي ، لصالح نجاح الثورة العربية في تصفية جميع المواقع الاستعمارية في الوطن العربي وضمان تطورها الحر في طريقها الى الاشتراكية .

اما المقدمة الثالثة والاخيرة فتشمل طبيعة المعركة الحاضرة من حيث عناصرها الرئيسة ومحورها الخاص . ان التحولات التي طرأت على حركات التحرر الوطني العربي ، ولا سيما تطور الثورة العربية من ثورة وطنية بسيطة الى ثورة شاملة مركبة ، وانتصاراتها ومكاسبها المهمة على الرغم من نقاط ضعفها العديدة من جهة، والتصدع الذي أصاب مواقع الاستعمار من جراء فشل حلفائه ، الاقطاعيات والبرجوازيات الرجعية العربية ، في الحد من تطور الثورة العربية وحصرها من الجهة الاخرى، تميطان اللثام عن اسرائیل و دورها في الاجهاز المباشر وغير المباشر على الثورة العربية المتطورة ، تحت الستار المهلهل لدور ( الدولة التقدمية) ، في تطوير ( الدولة البدوية) ، الذي يحاكي شعار « تقدم الرجل الاسود عبء الرجل الابيض » ، الشعار الاستعماري سيىء الصيت . لذا فان اطراد تطور الثورة العربية وزوال الكيان البرجوازي الدولي ( الاسرائيلي ) المصطنع ، رهينان بتصفية المواقع الاستعمارية وتحرير الثروات العربية من قبضة الاستثمار الاستعماري (۱) .

وعلى هذا الاساس ، تتجلى الطبيعة الثلاثية المعركة الحاضرة : (ثورية ) بمعنى انها لا بد وأن تطور وتعمق الثورة العربية الوطنية ( البسيطة ) الى ثورة (مركبة) اجتماعية وشعبة ، ايضاً : ( تحررية ) بمعنى انها لا بد وان تصفي جميع المواقع الاستعمارية وتحرر الموارد الاقتصادية وعلى رأسها صناعة النفط العربية ، و ( قومية ) بمعنى انها لا بد وان تفضي الى تصفية جميع العقبات الاصطناعية ، وخاصة القلعة الاستعمارية الاسرائيلية ، التي تقف حائلا في طريقها الى الوحدة العربيه ذات المضمون الشعبي الدمقراطي الثوري.

وفي ختام هذه المقدمات الثلاث حول طبيعة الاستعمار الجديد ، والثورة العربية ، والمعركة المصيرية الحاضرة ، لا بد من التأكيد على ثلاثة عوامل لعبت دوراً مهماً في تفجير المعركة الدائرة ، لما تلقي من الضوء على اساسها الاقتصادي البترولي ، ومغزاها السياسي الداخلي والعربي والدولي .

العامل الأول يكمن في أزمة الاقتصاد الاسرائيلي النابعة من كونه ذيلا للاقتصاد الاستعماري العالمي . اذ يقدر مجموع الفائض الاستيرادي الاسرائيلي ، أو العون الاقتصادي الاستعماري ، بحوالي ٦٧٧٣ مليون دولار خلال الفترة ١٩٤٩ ١٩٦٥ ، أو بمعدل سنوي يبلغ ۳۹۸ مليون دولار . وبلغ هذا الفائض الاستيرادي أو العون الاستعماري للفرد الاسرائيلي حداً اقصى هو ۲۲۸ دولار للفرد في سنة العدوان الثلاثي لعام ١٩٥٦ . ولولا هذا العون الاقتصادي الاستعماري لما كان الاقتصاد الاسرائيلي على ما هو عليه ، وبالتالي لما كان تفوقه التنكولوجي والعسكري . إلا ان هذا الاقتصاد الاسرائيلي كان يعاني من أزمة شديدة تمثلت في اعتماده المتزايد باطراد على الاقتصاد الاستعماري ، حيث بلغ

الفائض الاستيرادي ضعف ما كان محمنا له ان يكون ، او مليون دولار في ١٩٦٦ . كما استفحلت البطالة حيث ارتفعت من ٣٠ ألف الى ٩٦ ألف عاطل مسجل ، او الى ۱۰ ٪ من قوة العمل (١)

اما العامل الثاني فيكمن في سياسة المجابهة البترولية التي انتهجتها سورية في تطوير قطاع نفطي وطني مستقل عن احتكار البترول الدولي ، وعلى أساس من عقود العمل او المقاولة القائمة على التعاون مع الاتحاد السوفييتي، وفي خوض المعارك من اجل انتزاع حقوقها المشروعة في عوائد مرور البترول عبر اراضيها، من احتكار البترول الدولي المتمثل في شركة نفط العراق والشركات المتحدة معها . كما يكمن في اكتشاف البترول بكميات تجارية في عدد من الحقول التي قامت باكتشافها شركات امريكية في الجمهورية العربية المتحدة ، مما يؤمن لمصر الشقيقة تحقيق حلمها في أن تصبح بلداً مصدراً للنفط على نطاق كبير في في آخر الامر (۱) . وواضح ما لهذا الحدث من خطر على الاستعمار الجديد ، اذ تصبح الجمهورية العربية المتحدة لا اكبر دولة عربية واكثرها تقدماً فحسب، بل دولة نفطية مهمة ايضاً .

اما العامل الثالث فيخص طبيعة الرجعية العربية وتحولها من موقفها الدفاعي الى موقفها الهجومي الجديد . لقد تطور المحتوى الاجتماعي للرجعية العربية من سيادة العنصر الاقطاعي الى التحالف الاقطاعي - البرجوازي احياناً ، والى سيادة العنصر البرجوازي ، مع تفاوت في الدرجة بين قطر وآخر ، وفي التكتيك السياسي حسب درجة تطور قوى الثورة وتنظيماتها وطبيعة قياداتها ، احيان اخرى . وكلما ازداد التلاحم بين طبقتي الرجعية العربية ، الاقطاعية - البرجوازية ، وضعفت الوحدة بين قوى التقدمية العربية ، نزعت الرجعية العربية ومن ورائها الاستعمار الجديد الى التحول من الخط الدفاعي الى الخط الهجومي على الصعيد الدولي ( الحلف الاسلامي ) والعربي ) مؤتمرات القمة ) والداخلي ( الثورات المضادة ) . وبلغ التحول الهجومي للرجعية العربية حداً جعلها تطرح نفسها بديلا عن مجموع قوى الثورة ، على اساس انها وحدها القادرة على تحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي .

و من هنا ، أصبح التطابق تاماً بين المصلحة الاسرائيلية في الحصول على العون الاستعماري المتزايد ، ومصلحة الاستعمار البترولي في الحفاظ على مصالحه ودعم الرجعية العربية وشل تطور الثورة العربية الى الآفاق التقدمية الرحبة ، ولاسيما في الجمهورية العربية المتحدة وسورية. ويجعل هذا التطابق في المصالح تفجير المعركة الحاضرة استعماريا - اسرائيليا - رجعياً ، قلباً وقالباً ، ويقطر دماً ونفطاً عربياً في آن واحد.

وعلى هذا الاساس تقوم العلاقتان او المعادلتان الرباعيتان التاليتان :

المعادلة الاولى : الاستعمار الجديد - احتكار البترول الدولي- اسرائيل - الرجعية العربية .

المعادلة الثانية : التقدمية العربية - تأميم البترول العربي - فلسطين - العالم الاشتراكي

وتشير هاتان المعادلتان الى وجود طريقين هما : طريق التطور الى الوراء المتكيف التكيف اللازم لطبيعة العصر الحاضر وتوازن القوى فيه على الصعيد الداخلي والعربي والدولي . ويتميز هذا الطريق ستراتيجياً بتطور أساليب ( الاستعمار الجديد ) المنعكسة في تطور محتوى وأسلوب ( الرجعية العربية ) ، وبالتواجد العضوي بين احتكار البترول الدولي وقاعدته الإستعمارية - الاسرائيلية العدوانية . اما الآخر فهو طريق التطور إلى الأمام المتكيف التكيف اللازم لروح العصر الحاضر وتوازن القوى فيه على الصعيد الداخلي والعربي والدولي. ولا بد له من ان يتميز ستراتيجياً بإقامة اتحاد القوى (التقدمية العربية) والتحول الموضوعي الى التحالف مع العالم الاشتراكي . وذلك للنضال بالدرجة الاولى من أجل تأميم البترول العربي وازالة القاعدة الاستعمارية الرئيسية الاسرائيلية وغيرها من القواعد الاستعمارية ، وبناء الوحدة الاشتراكية على اساس الدمقراطية الثورية المعبرة عن ارادة الامة العربية ومصالحها و مصيرها في العصر الحاضر.

الفصل الثاني

طبیعته احتكار البترول الدولي

تستلزم تصفية نفوذ الاستعمار الجديد وسياساته وقاعدته العدوانية الاسرائيلية من الوطن العربي ، وضمان اطراد تطور الثورة العربية حتى نهاياتها في بناء المجتمع الاشتراكي ، النضال من أجل تصفية احتكار البترول الدولي . إذ إنه يسيطر ، ومن خلال امتیازات نفطية مجحفة عقدت بين اطراف غير متكافئة وفي ظروف شاذة ، سيطرة تامة على معظم الاراضي النفطية العربية وعلى انتاجها من النفط ، وعلى نقله وتسويقه الى اسواق العالم دون أية مشاركة جدية لأهل النفط العربي في تحديد الانتاج ،

او تقرير الاسعار ، او ممارسة تجارة النفط ، او المساهمة في رؤوس الأموال .

ويتصف نمط العمليات البترولية - من التحري الى الانتاج ، والتصفية ، والنقل ، حتى التوزيع الى الاستهلاك - بسيطرة

عدد قليل من شركات النفط العالمية - خمس امريكية وواحدة بريطانية وواحدة بريطانية - هولندية وواحدة فرنسية سيطرة تامة على أهم مصادر النفط في العالم ( خارج العالم الاشتراكي ) . ولا تقف حكومات هذه الشركات من ورائها فحسب ، بل تساهم الحكومة البريطانية نفسها في شركة النفط البريطانية بحوالي ٤٨٪ من اسهمها وتسيطر عليها ، كما تساهم الحكومة الفرنسية في شركة النفط الفرنسية بحدود ٣٥ ٪ من رأسمالها وتوجه سياستها . وقد اتفقت هذه الشركات الثماني الكبار على اتباع سياسة واحدة فيما يخص انتاج النفط وتسويقه.

ولكن برزت في الميدان النفطي ثلاثة تيارات معارضة أو معادية لكارتيل النفط الدولي بدرجات متفاوتة . ففي داخل الكارتيل ، بدأت شركة النفط الفرنسية تختط سبيلاً معارضاً بعض الشيء لسياسة الكارتيل الدولي العامة : وذلك باقدامها على عقد امتيازات او اتفاقات نفطية ذات شروط افضل بالنسبة للدول المنتجة للنفط ، كما حدث في اتفاقها مع الجزائر وايران مثلاً . وضمن هذا الاطار تظهر بين حين وآخر تناقضات ثانوية بين المصالح البترولية البريطانية والامريكية في احتكار البترول الدولي .

و من خارج الكارتيل ، جاءت شركات ايطالية ويابانية الى عالم النفط ، وشركات نفط مستقلة في الانتاج والنقل ، وحصلت على امتيازات مهمة في امريكا الجنوبية ، والشرق الأوسط وشمال افريقية . وقد تمكنت من انتاج كميات وافرة من النفط الخام، و من مزاحمة كارتيل النفط الدولي الى حد ما . كما ظهرت الى الميدان شركات نفط وطنية ناشئة تحاول القيام بالعمليات البترولية . إلا انها لم تستطع ان تلعب دوراً مهما في اسواق النفط الدولية وكذلك دخل المعسكر الاشتراكي، ولاسيما الاتحاد السوفيتي، اسواق النفط الدولية مصدراً بزخم متزايد الأهمية.

ويظهر الجدول رقم ( ۱ ) حصص شركات احتكار البترول الدولي الثماني الكبار من انتاج النفط العالمي لعام ١٩٦٦ . كما يظهر التيار المقابل للنفط العالمي المستقل عن احتكار البترول الدولي . إذ إن مجموع حصة الشركات الثماني الكبار من انتاج النفط للعالم الرأسمالي بلغت ٦٢,٥٪ . وهذا يعني ان حوالي ٣٧,٥ ٪ من انتاج النفط للعالم الرأسمالي أصبح يأتي من خارج احتكار البترول

الدولي. وتهبط حصة احتكار البترول الدولي الى حوالي ٥١,٩ وتزيد حصة النفط المستقل عن الاحتكار العالمي على ٤٨,١ ٪ من مجموع انتاج النفط العالمي ، بما في ذلك انتاج النفط للعالم الاشتراكي .

الجدول رقم (۱) حصص الشركات الثماني الكبار من انتاج النفط الخام في العالم لعام ١٩٦٦

الف طن متري

الوطن العربي B. P C. F.P. Esso Gulf Mobil Shell Stancal Texaco

ابو ظبي ٦٣٨٠ ٤٦٠٥ ١٤٥٤ _ ١٤٥٤ ٢۹۰۹ _ _

البحرين _ _ _ _ _ _ ١٥٣٨ ١٥٣٨

العربية المتحدة _ _ _ _ ۱۰۹ _ _ _

العراق ١٦٠٩١ ١٦٠٩١ ٨٠٤٥ _ ٨٠٤٥ ١٦٠٩ _ _

الكويت ٤٨٧٥٦ _ _ ٦٥٥٩٨ _ _ _ _

قطر ٢١٥٢ ٢١٥٢ _ _ ١٠٧٦ ۷٠٢٢ _ _

العربية السعودية _ _ ٣٥٨٣٦ _ ١١٩٤٥ _ ٣٥٨٣٦ ٣٥٨٣٦

الجزائر _ ٦٤٧١ _ _ ۳۱۱ ٣٠٨٢ _ _

ليبيا _ _ ۲٥٧٦۹ _ ٦٢٠٣ ١٠٥٣۷ ٢٠۳۱ ٢٠۳۱

المجموع ۷۳۳۷۹ ۲۹۳۱۹ ۷۱۱۰٤ ٦٥٥٩٨ ٢٩١٤٣ ٣٩٦٤١ ٣٩٤٠٥ ٣٩٤٠٥

آسيا و اقيانوسا ٤٠١٦٤ ٦٠٢٥ ٨٤٣٦ ۷۰۲۹ ٨٨٦٣ ١٩٥٤٢ ٧٥٤٢ ١٤٥٦٩

( عدا الوطن العربي )

افريقية ۸۸۱۳ ۱ _ ۲۵۲۹ ٤٢ ۸۸۱۳ _ _

( عدا الوطن العربي )

اوربة ٨٦ ٦ ٣١٦٣ ٣٨١ ١٣٧٤ ۲۰۹۱ ۱۳ ۱۳

امريكا اللاتينية ٢٦١١ _ ٧٥٠٥٢ ٨٩٥٢ ۷۷۱۳ ٥٣٥٢٥ ٥١٣٠ ۱٦۹٦٦

والبحر الكاريبي

امريكا الشمالية ۱۳۱۳ ١٣٤ ٤٧۲۲۷ ٢٥٠٤٧ ۱۷۹٥۰ ۲۹۲۷۳ ۲۸۰۳۰ ٤۰۰۰٥

المجموع العالمي١۲٦٣٦٦ ٣٥٤٩١ ٢٠٤٩٨٢ ۱۰٩٥٣٦ ٥۰۸۹ ٦ ۱۵۲۹۸٥ ۰۱۲۰ ۸ ١١١٤٦٠

النسبة من مجموع ٨,٩% ٢,٥% ٥,١٤% ٧,٧% ٤,٦% ٨ , ۱۰% ٧,٥% ٨ , ٧%

العالم الرأسمالي

النسبة من المجموع ٧,٤% ١,٢% ٠,١٢% ٤,٦% ٨ , ۳% ٠,۹% ٧,٤% ٥,٦%

العالمي

لقد نشأت صناعة النفط العربية نشوءاً شاذاً، له خصائصة المميزة في السيطرة التامة لاحتكار البترول الدولي . و من الضروري التأكيد على تسع خصائص تتصف بها صناعة النفط العربية في ظل احتكار البترول الدولي ، او بتعبير أدق ، قطاعات النفط الاجنبية في البلاد العربية

۱ - تكمن الخاصية الاولى في انعدام التناسب بين احتياطي النفط العربي وانتاجه. فبينما يبلغ احتياطي النفط العربي الثابت وجوده حوالي ۳۰٫۱ بليون طن في ١٩٦٦، أو حوالي ٠٥٦,٥ من مجموع احتياطي النفط العالمي ، لم يزد انتاج النفط العربي على ٤٦٥,٥ مليون طن في نفس السنة ، او حوالي ۲۷٫۳ / من انتاج النفط العالمي . وبكلمة أخرى ، بينما تملك الامة العربية ما يقرب من ثلثي احتياطي النفط العالمي تنتج ما دون ثلث انتاج النفط العالمي كما هو واضح من ارقام الجدول رقم (۲) .

ولهذه الخاصية المتمثلة في انعدام التوازن بين احتياطي النقط و انتاجه ، أهمية من زاوية الدور الذي لعبه احتكار البترول الدولي في تجميد تركيب الانتاج العالمي وتوزيعه الجغرافي تجميداً يلحق اقصى الضرر بالاقتصاد العربي . وذلك لأن اتجاه اسعار النفط الهابطة من جهة ، وتطور مصادر الوقود الكهرومائية والطاقة النووية الارخص من الجهة الاخرى ، تجعلان قيمة النفط الحالية أعلى من قيمته المقب

الجدول رقم (۲) مركز النفط العربي في النفط العالمي

الاقليم الاحتياطي الانتاج الاستهلاك سعات التصفية

بليون طن/النسبة مليون طن/النسبة مليون طن/النسبة مليون طن/النسبة

1- الولايات المتحدة 5.2 9.8% 409.5 24.0% 580 35% 517 28.9%

۲- نصف الكرة الغربي 5.1 9.5% 345.1 20.3 % 171 11% 268 14.4%

عدا (۱)

٣ - العالم الاشتراكي 4.6 8.7% 290.6 17.0% 240 15% 270 14.9%

٤ - البلاد العربية 30.1 56.5% 465.5 27.3% 32.1 2 % 85 4.7%

٥- الشرق الاوسط 6.3 11.7% 134.2 8.5% 35.6 2% 38 2.2%

وافريقية عدا (٤)

٦- نصف الكرة الشرقي 2.0 3.8% 158.0 3.5% 6.2 35% 637 34.9 %

عدا ( ٣ و ٤ و ٥ )

۷- العالم 53.3 100% 1802.9 100% 1661 100% 1815 100%

٢ - اما الخاصية الثانية لصناعة النفط العربية فتقوم على انعدام التوازن بين صادرات النفط العربي وتكاليف انتاجه في العالم . إذ ان صادرات النفط العربي لا تزيد على نصف صادرات العالم ، رغم امتلاك الوطن العربي لقرابة ثلثي الاحتياطي البترولي العالمي ، ورغم كون تكاليف انتاج النفط العربي هي حتى دون العشر من تكاليف انتاج النفط في العالمالرأسمالي .

ويظهر من الجدول رقم (۳) ان تكاليف انتاج النفط الخام للبرميل الواحد تبلغ في الولايات المتحدة حوالي ٥٢٨ فلساً وفي فنزويلا حوالي ۲۱۷ فلسا ، بينما لا تزيد في العراق على ١٥ فلساً وهو أقل البلاد العربية كلفة ، وفي الجزائر على ١٦١ فلساً وهو اعلاها كلفة

ولا نعدام التوازن بين تكاليف الانتاج والتصدير أهمية كبيرة . إذ انه كلما زادت صادرات النفط العربي ، لا زادت دخول الامة العربية منها فحسب ، بل زادت قوتها التفاوضية في تحقيق حقوقها النفطية والاقتصادية والقومية . والعكس بالعكس .

الجدول رقم (۳)

تكاليف انتاج النفط الخام للبرميل الواحد بالسنتات الامريكية

1961 _ 1964

مصاريف التشغيل مصاريف التطوير مجموع التكاليف

الولايات المتحدة 17 134 151

العراق 1.2 3 4.2

الكويت 1.8 8 9.8

السعودية 1.5 8 9.5

ليبيا 2.2 13 15.2

الجزائر 3.9 42 46.0

فنزويلا 6.5 55.5 62

٣ - والخاصية الثالثة للنفط العربي هي انعدام التوازن بين إنتاج النفط الخام وانتاج النفط المصفى او المنتوجات النفطية إذ يظهر جلياً من ارقام الجدول رقم (۲) ان سعة صناعة تصفية النفط في الوطن العربي لا تزيد على تصفية ٨٥ مليون طن سنوياً او حوالي ٤,٧٪ من مجموع سعة التصفية في العالم . او بكلمة أخرى ، ان الوطن العربي الذي يمثل انتاج نفطه حوالي ثلث انتاج النفط العالمي ونصف صادراته من النفط الخام ، لا يتمتع بالآثار الايجابية لقيام صناعة النفط التحويلية على الدخل والاستخدام إلا بحدود ٥% تقريباً من سعات التصفية العالمية . وهذا يجعل الوطن العربي، رغم تقدم صناعة النفط الاستخراجية فيه ، متخلفاً أشد التخلف في صناعة النفط التحويلية والبترولية الكيماوية

٤- اما الخاصية الرابعة ، فتكمن في انعدام التوازن بين انتاج النفط العربي واستهلاكه. إذ ان استهلاك الوطن العربي للنفط لم يزد على حوالي ٣٢,٤ مليون طن سنوياً أو ٢ ٪ فقط من مجموع الاستهلاك العالمي، كما هو واضح من الجدول رقم (۲) . وهذا يعكس في عين الوقت التخلف الصناعي العام في الوطن العربي الناجم في الاساس عن سياسة احتكار البترول الدولي في ابتزاز وتحويل الارباح النفطية المفرطة إلى دول شركاته ، وفي تحديد تطور الصناعة النفطية بالحدود الاستخراجية الضرورية للحياة الاقتصادية للعالم الرأسمالي ، والحد من تطور الصناعة النفطية التحويلية التي تكون بمثابة الجسر المفقود بين الاقتصاد العربي المحلي والقطاع النفطي الاجنبي . وانعدام تطور صناعة النفط التحويلية انما يعلل استمرار التخلف الاقتصادي ، والتطور غير المتوازن بين القطاعات الاقتصادية المختلفة ، والتنمية البطيئة.

٥ - وتتمثل الخاصية الخامسة في ضآلة نسبة رأس المال العربي الى رأس المال الاستعماري في صناعة النفط العربية . فبينما يبلغ رأس المال الاجنبي الموظف في صناعة النفط العربي حوالي ٤٠٠٠ مليون دولار ، لا تزيد رؤوس الاموال العربية المستثمرة في المصافي وشركات النفط الوطنية والمساهمات الحكومية في بعض الامتيازات الجديدة المعقودة مع اليابان وايطالية خاصة على ٥۰۰ مليون دولار ، اي حوالي ۱۲٫٥% من رأس المال الاجنبي . ويتعدى الضرر ، من انعدام مساهمة البلاد العربية في رؤوس اموال شركات احتكار البترول الدولي الدخل النقدي المفقود ، الى الخبرة في ادارة النفط ونقله وتسويقه .

ويظهر من الجدول رقم ( ٤ ) بوضوح تزايد رأس المال الامريكي في صناعة النفط العربية على حساب رؤوس الاموال الاستعمارية الاخرى ، ولا سيما البريطانية منها . وعلى هذا ، فقد انتقلت القيادة البترولية والسياسية الى الاستعمار الامريكي الجديد ، لتحل محل الاستعمار البريطاني القديم في منطقة الشرق الأوسط عموما ، والشرق العربي خصوصاً

الجدول رقم (٤)

توزيع ملكية رأس المال الاستعماري في صناعة النفط العربية

القطر الموجودات الثابتة بملايين الدولارات النسب المئوية

1947 1959 1947 1959

الولايات المتحدة 360 1.850 40 50

بريطانية 400* 680 44 18

فرنسة 70 200 8 5

هولندة 70 125 8 3

٦ - وتتجسد الخاصية السادسة لصناعة النفط العربية في ارتفاع نسبة الارباح الصافية الى رؤوس الأموال المستثمرة . لقد بلغت نسبة الارباح الصافية الى رأس المال الموظف في صناعة النفط في العراق حوالي ٦٢% وفي العربية السعودية ٦١% ، وفي قطر ١١٤ ٪ خلال الفترة ١٩٥٦ - ١٩٦٠ ، كما هو مبين في الجدول رقم ( ٥ ) . ويقدر مجموع ارباح شركات احتكار البترول الدولي من النفط العربي بحوالي ٢٥٠٠ مليون دولار في عام ١٩٦٦.

الجدول رقم (٥)

صافي الربح على رأس المال الموظف في عمليات الانتاج في بعض الاقطار العربية بملايين الدولارات

1956_1960

القطر صافي رأس المال المستثمر صافي الربح لرأس المال المستثمر نسبة الربح الى رأس المال المستثمر%

العراق 341 212 62

العربية السعودية 488 299 61

قطر 37 42 114

و تزداد خصوصية صناعة النفط الاحتكارية ، من حيث نسبة ارباحها الى رؤوس الأموال المستثمرة فيها ، وضوحاً حينما نتأمل في مقارنتها بما تحققه الاستثمارات الدولية الاخرى من الارباح . اذ ان نسبة الأرباح الى رؤوس الأموال في صناعات الماس والنحاس والفحم والرصاص والزنك والذهب كلها اقل بكثير من مثيلاتها في صناعة النفط الاحتكارية ، بل ان اعلاها ، صناعة الذهب ، تزيد قليلا على ثلث نسبة الارباح التي تحققها شركات النفط العاملة في العراق ، كما هو مبين في الجدول رقم (٦).

الجدول رقم (٦)

نسب الارباح الى رؤوس الاموال في بعض الصناعات الاخرى

الصناعة الشركة الموقع نسبة الربح الحالية %

الألماس

1.Consolidated African1.غانا

Selection Trust سيراليون 16.5

De Beers 2. 2-جنوب افريقيا 4.8

النحاس

1.Zambian Anglo American 1-زامبيا 16.1

2.Kemnecot 1 - الولايات المتحدة ، شيلي 3.9

الفحم

1.WanKie 1-روديسيا 11.1

2.Vereeniging 2-جنوب افريقيا 6.0

الرصاص

الزنك

1.Zambian, Broken Hill 1-زامبيا 18.5

2.Broken Hill South 2-استراليا 4.4

الذهب

1.Askanti 1-غانا 23.5

2.Falcon 2-روديسيا 10.5

3.West Driepontein 3-جنوب افريقيا 6.4

۷_اما الخاصية السابعة فتكمن في انخفاض نسبة الايدي العاملة الى الانتاج . إذ ان مجموع صناعة النفط العربية تشغل حوالي ٦٥ ألف عامل ، كما هو مبين في الجدول (۷) . وصحيح ان اجورهم تزيد ما بين ٥% و ١٥ % على معدل الاجـــــــور في القطاعات الاقتصادية المحلية. الا ان المقارنة الصحيحة للأجور هي مع اجور العمل الماثل في الصناعة النفطية في العالم الرأسمالي. لقد ضمنت شركة نفط العراق نفسها دخل العامل العراقي في صناعة النفط بحوالي ٤٢٠ ديناراً او ما يعادل ۱۲۰۰ دولار في عام ١٩٥٤ . في حين بلغ معدل الدخل السنوي للعامل في صناعة انتاج النفط في الولايات المتحدة الامريكية حوالي ٥٧٠٠ دولار في عام ١٩٥٨ وهذا يعني ان عامل النفط العراقي لا يتقاضى إلا خمس ما يتقاضاه عامل النفط الامريكي عن انتاج النفط الخام(1)

الجدول رقم (۷)

عمال البترول في البلاد العربية

السعودية 13573

العراق 12083

الجمهورية العربية المتحدة 10500

ليبيا 9150

البحرين 8500

الكويت 5753

قطر 3645

المنطقة المحايدة 2000

المجموع 65.204

٨-والخاصية الثامنة انما تنصب على تسعير النفط الخام في ظل احتكار البترول الدولي تسعيرا هو في غير صالح إحداث التوازن بين مقدار صادراته وانخفاض تكاليفه، في اطار التكاليف المقارنة للنفط الخام في العالم . لقد سعر البترول العربي منذ تموز ١٩٤٩ حتى الآن على اساس من سعر تسليمه في نيويورك . وهذا يعني سعر النفط في فنزويلا زائداً تكاليف النقل الحقيقية منها الى نيويورك . ولا يستقيم نظام التسعير هذا مع مصلحة النفط العربي، لأن ٨ ٪ فقط من صادرات النفط العربي تصدر الى الولايات المتحدة، في حين ان حوالي ۹۰٪ منه تصدر الى اوروبة الغربية . وطريقة التسعير هذه تحمل النفط العربي اجور نقل وهمية من لندن الى نيويورك او تحمله خصماً يعادل اجور النقل المذكورة . وهـذا الخصم انما تضيفه شركات احتكار البترول الدولي الى ارباح النقل أو تمنحه كخصم في الاسعار للشركات المالكة لشركات الانتاج والمشترية البترولها

وطريقة تسعير البترول تسعيراً احتكاريا تحقق الربح الاقصى لشركات احتكار البترول الدولي من مجموع عملياتها في العالم. إلا انها لا تؤمن مصلحة الدول المنتجة للبترول، لأنها تمنع الى حد ما المنافسة بين البترول العربي الرخيص نسبيا وبين البترول الامريكي الغالي نسبياً ، مما يفاقم انعدام التوازن بين التصدير والتكاليف ، وبالتالي بين الانتاج والاحتياطي من النفط العربي . كما انها لا تؤمن مصلحة البلدان المستهلكة من للبترول . إذ ان زيادة الانتاج من النفط الأرخص على نطاق كبير يجعله يحل محل النفط الأغلى . وهذا لا يحقق ايراداً اكبر للدول المنتجة فحسب ، بل يؤمن للمستهلكين سعراً أوطأ يتناسب مع تكاليف الانتاج ايضاً.

الا ان طريقة التسعير الحالية تجعل سعر برميل النفط من الخليج العربي ٣٠١٤ دولارات في حين يبلغ سعرالنفط الفنزويلي ٣,٦٨ دولارات ، في نفس ميناء لندن.

ولولا الوضع الاحتكاري الشاذ الذي يحول دون تساوي سعر النفط على اختلاف مصادره في المكان المعين ، لتساوى السعر للنفط ذي الكثافة المعينة في ميناء لندن . ولا يخدم تخفيض قيمة سعر النفط العربي في اوروبة الغربية الا تحويل جزء من أرباح استخراج النفط الخام الى ارباح شركات الاحتكار الدولي للبترول في عمليات النقل والتصفية والتصنيع الكيمياوي ، على حساب الدول العربية المنتجة للنفط الخام (١)

ان تحكم شركات احتكار البترول الدولي في سعر النفط العربي واتجاه الهابط يؤول الى خسارة اخرى تتجسد في تدهور نسب التبادل التجاري بين اسعار صادرات النفط العربية واسعار الاستيرادات المصنوعة إلى البلاد العربية . اذ تشير احصائيات هيئة الامم المتحدة الى هبوط اسعار صادرات المواد الخام ، بما في ذلك النفط ، بنسبة 8% ، وارتفاع اسعار الاستيرادات المصنوعة بنسبة ٢٤ ٪ ، خلال العقد ما بين ١٩٥٠ و ١٩٦١ (۲).

۹ - وتتجسم الخاصية التاسعة لصناعة النفط العربية في تفاقم تبعية الاقتصادات النفطية العربية لاحتكار البترول الدولي، من خلال انعدام الارتباط العضوي بين قطاعاتها المحلية المتخلفة وقطاعاتها النفطية الاجنبية المتقدمة ، بالنظر الى تطور قطاع تصفية النفط والتصنيع البترولي – الكيمياوي في احشاء الاقتصاد الاستعماري المستورد للنفط . ومن خلال عوائد النفط المتزايدة تحت تصاعد ضغط حركة التحرر الوطني على احتكار البترول الدولي، فقد اصبحت ميزانيات الدول النفطية الاعتيادية والاعمارية ، وموازين المدفوعات و ارصدة العملات الاجنبية ، وبالتالي الدخول الوطنية ، خاضعة لتقلبات عوائد النفط او تحت رحمة احتكار البترول الدولي .

لقد قدرت عوائد البترول العربي الى جميع الاقطار المنتجة والاقطار التي يمر النفط عبر اراضيها في المشرق والمغرب بحوالي مليارين من الدولارات ، او حوالي ٦٤٣ مليون دينار في ١٩٦٥ . وقد توزعت هذه العوائد على الوجه المبين في الجدول رقم ( ۸ ) .

وقد رافق زيادة عائدات البترول تفاقم في اعتماد ميزانيات الدول النفطية العربية عليها . فقد بلغت نسبة عائدات البترول الى الميزانية اعلاها في الكويت وقطر بحيث كانت ۹۷% منها ، وادناها في العراق حيث كانت حوالي ٥٠% ، وبين بين في السعودية والبحرين حيث كانت ۸۱ - ۸۳ % .

الجدول رقم (۸)

عائدات البترول العربي لعام ١٩٦٥

السعودية ٥٧٨ مليون دولار

الكويت 565 مليون دولار

العراق 354 مليون دولار

ليبيا 325 مليون دولار

قطر 69 مليون دولار

الجزائر 50 مليون دولار

البحرين 18 مليون دولار

عوائد الاقطار الاخرى 41 مليون دولار

المجموع ۲۰۰۰ مليون دولار

واستفحل اعتماد موازين مدفوعاتها على عائدات البترول لتوفير العملات الاجنبية . حيث بلغت نسبة ما توفره العائدات منها حوالي ٩٩% في كل من الكويت والبحرين وقطر ؛ وحوالي ۸۷% في السعودية ، وحوالي ۸۰% في العراق. وكذلك ازداد اعتماد الدخل الوطني فيها على عائدات البترول . حيث بلغت نسبة القيمة المضافة من صناعة النفط الى الدخل الوطني حوالي ٩٠٪ في الكويت وقطر ، وحوالي ٥٠ - ٥٥ % في السعودية والبحرين، ووالي ۲۸ ٪ في العراق (١)

وفضلا عن تأثير عائدات البترول الواضح في إحكام التبعية الاقتصادية للاقطار العربية المنتجة للنفط الى احتكار البترول الدولي ، فهنالك بعض الآثار الفرعية الاخرى التي لا بد من تعدادها اولها ان ازدياد عوائد البترول غالباً ما يرافقه ارتفاع في الميل نحو الانفاق الاستهلاكي او التبذيري الحكومي ومن ثم انعكاسه في الانفاق الفردي. ويترتب على هذا الطراز من الصرف ارتفاع الميل العام نحو الاستهلاك ، وبالتالي انخفاض الميل العام نحو الادخار والاستثمار . مما يؤدي الى تفاقم انعدام التوازن بين امكانات التطور الاقتصادي الكبيرة وواقعها الضئيل.

وثانيها أن ازدياد عوائد البترول غالباً ما يرافقه ارتفاع شديد في نسبة ما يصرف منها على الاستيراد التي قد تبلغ ٧٥ % كما هي الحال في العراق ، والتي تربو على ذلك في الاقطار النفطية الاخرى . مما يجعل معظم عائدات البترول لا تلج باب الدخل الوطني الا لتخرج من شباك الاستيراد الاجنبي .

لئن كانت هذه هي الخصائص الاقتصادية الرئيسية لتطور صناعة النفط العربية في ظل احتكار البترول الدولي ، فما هو سبيل تحريرها من هذه الخصائص التي تجعلها في خدمة الاستعمار الجديد اقتصادياً وسياسياً ، بل وتطويرها لتكون في خدمة الاقتصاد العربي وتقدم الأمة العربية ؟

الفصل الثالث

تقنين النفط العربي

يقتضي بيان معالم طريق التحرر النفطي تحديداً أدق لطبيعة احتكار البترول الدولي ، لا سيما التناقض بين مصلحته ومصلحة الشعوب المنتجة والمستهلكة للبترول على حد سواء . كما يستلزم تحديد طبيعة النفط السوفياتي وضرورة دوره في مناهضة احتكار البترول الدولي من جهة ، ومخالفة البترول العربي المتحرر من الجهة الاخرى .

يمكن استخلاص طبيعة احتكار البترول الدولي، او بيان خاصية خصائصه كلها ، في أنه ، وهو شريان الاستعمار الجديد ، عدو الشعوب المنتجة للنفط والمستهلكة له وللشعوب الاشتراكية والمعادية للاستعمار عموماً . انه عدو الشعوب المنتجة للنفط لانه ، في الاساس ، يحقق الربح الأقصى على حساب تجميد تركيب انتاجها النفطي وإخلال التوازن بين احتياطيها وانتاجها منه ، مما يحافظ على استمرار الانتاج في شركاته العاملة في آبار عالية الكلفة ولا سيما في الولايات المتحدة الامريكية ويحول دون زوالها، ليحقق الربح الأقصى من مجموع عملياته النفطية في العالم كله . إنه عدو الشعوب المستهلكة للنفط لإنه، في الاساس، يقوم بانتاج النفط الخام وتسعيره لا حسب تكاليف الانتاج الحدية ، أي حسب تكاليف الانتاج الدنيا للآبار النفطية العربية المنتجة، بل حسب تكاليف الانتاج العليا للآبار النفطية الأمريكية غير المنتجة ، لتحقيق الربح الأقصى من خلال فرضه نظام أسمار البترول الاحتكارية على حساب الشعوب المستهلكة ايضا . انه عدو جميع الشعوب المعادية للاستعمار الجديد والبانية للنظام الاشتراكي لأنه ، في الاساس ، التجسيد الرئيسي للخطر الداهم على استقلالها الوطني وتطورها الاجتماعي الحر بصورة عامة ، ولأن مصلحته الرئيسية تتركز في مناهضة النفط السوفياتي والحيلولة دون مساهمته في كسر نظام اسعار

النفط الاحتكارية ، مما يزعزع كيان كارتيل النفط الدولي (١)

ويظهر من التناقض الحاد بين مصالح احتكار البترول الدولي من جهة، وبين مصالح الشعوب المنتجة للنفط والشعوب المستهلكة له ، والشعوب الاشتراكية عموماً والنفط السوفياتي خصوصاً من الجهة الاخرى ، امكان تطوير التعاون والتضامن بين السياسة النفطية السوفياتية والسياسة النفطية العربية؛ مع مراعاة امكان استثمار المصالح المشتركة بين النفط العربي والسوفياتي من جهة والمصالح النفطية المعارضة لسياسة احتكار البترول الدولي ، كشركة النفط الفرنسية من داخل الكارتيل، والمصالح النفطية الايطالية واليابانية من خارجه ، وشركات النفط الوطنية الناشئة في الدول النفطية الاخرى ، على اساس من انتهاج السبيل الثوري العلمي العملي لتحرير النفط العربي من قبضة احتكار

البترول الدولي . لئن كانت قوة احتكار البترول الدولي تقوم على سياسته الموحدة في انتاج البترول وتسعيره وتسويقه في العالم ، فلا بد لقوة التعاون والتضامن بين النفط العربي والنفط السوفياتي والمصالح النفطية المستقلة الاحتكار من ان تقوم على العمل من اجل سياسة نقطية معادية للكارتيل الدولي شاملة جوانب الانتاج والاسعار والاسواق والنقل.

هنالك ، فما اعتقد ، ثلاثة سبل لا غير . الاول هو السبيل الذي يقوم على سياسة الأمر الواقع ويفضي الى الاستسلام لاحتكار البترول الدولي . ويكون الاسلوب هنا مباشراً احياناً حيث تعرض الاضرار المترتبة على الاختلاف مع الاحتكار الدولي للبترول والمنافع المتأتية من الاتفاق معه في الانتاج والعوائد وقد يكون الاسلوب غير المباشر احيانا أخرى على اساس من اشتراط شروط تعجيزية كالاجماع العربي ، على اختلاف البلاد العربية في مراحل تطورها الاجتماعي ودرجات استقلالها السياسي وامكاناتها البديلة . وهو ما يشترط شرطاً لاستمرار قطع ضخ النفط العربي الى الاسواق الدولية ، أو لألغاء الامتيازات النفطية ، أو لتأميم النفط . كلا الاسلوبين يؤدي الى عين النتيجة وهي ليس بالامكان ، أحسن مما كان : أي المحافظة على الوضع النفطي الراهن .

اما السبيل الثاني فيقوم على سياسة التطور التدريجي في بناء قطاع نفطي مستقل عن احتكار البترول الدولي، بواسطة شركات النفط الوطنية، وعلى أساس من عقود المقاولة مع الشركات النفطية الاجنبية او الاتفاقيات النفطية مع الدول الصديقة . ويمتاز هذا السبيل بشيء من الواقعية ، وبعد عن الروح الثورية ، إلا انه مع ذلك لا يأخذ بنظر الاعتبار التطور التكنولوجي السريع في العالم الذي قد يوفر وقوداً أرخص من النفط قبل ان تقوى شركات النفط الوطنية العربية ، التي تسير سيراً أعرج بالضرورة في ظل احتكار البترول الدولي ، على التطور في الانتاج والتسويق ومزاحمة الاحتكار الى درجة تمكنها من نزع ( الصفة الاستغلالية ، عن عقود الامتيازات المجحفة ، إن وجد امتياز غير استغلالي ابداً ومهما كان لهذا الطريق من مزايا في الأمد البعيد ، فانه لا يصلح اساساً لمعالجة الموقف النفطي الراهن .

اما الطريق الثالث فهو طريق التأميم الموضوعي القائم على توازن القوى الحقيقية في العالم ، والراسخ في طريق التطور الاقتصادي - السياسي الثوري الذي يعتبر الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في التحرر من احتكار البترول الدولي حيثما أمكن ، وعليه تقع المسؤولية النهائية في تحمل أعبائه ، واليه يؤول جني ثماره في آخر المطاف . ويقوم شق هذا الطريق على تقنين انتاج النفط العربي ، وتأميم النفط العراقي ، والتعاون النفطي العربي - السوفياتي ضد احتكار البترول الدولي .

ان النفط العربي سلعة اقتصادية ذات طابع ستراتيجي وسياسي . وبهذه الصفة يستخدمها احتكار البترول الدولي لخدمة مصالحه وتحقيق اغراضه . إذ انه يحدد الانتاج العام ويوزعه بين الاقطار المنتجة لا على اساس العرض والطلب المحض فقط ، بل على اساس علاقاته السياسية ايضاً . مثال ذلك توقف الزيادة في انتاج النفط العراقي بعد صدور القانون ٨٠ لسنة ١٩٦١ القاضي بانتزاع الاراضي غير المستثمرة من حوزة شركات النفط العاملة في العراق ، اذ جرى ، و الانتاج بوتيرة تساوي حوالي ٤,٥% سنوياً منذ صدور القانون المذكور في حين كان معدل زيادة انتاج النفط العالمي هو حوالي ٨,٥٪ سنويا ، رغم قلة تكاليف انتاج النفط العراقي . ومن هنا ، يتأتى دور النفط في الضغط السياسي - الاقتصادي المقابل الذي لا بد للأمة العربية من ممارسته لتحقيق اهدافها في المعركة الحاضرة .

هنالك زاويتان يمكن الانطلاق منها في عملية تسخير النفط العربي في الوقت الراهن. وهما زاوية الانتاج وزاوية ملكية

رأس المال.

اما زاوية الانتاج ، فتوجد ثلاثة سبل لاستخدام الانتاج للضغط على الدول المستهلكة للنفط والمساندة للعدوان . السبيل الأول هو قطع ضخ النفط قطعاً كاملا . ولا يشك أحداً في فعالية هذه الوسيلة عند توفر شروط معينة أهمها حصول الاجماع العربي الحقيقي ، ويليها مدة ايقاف الضخ ، فكلما طال الأمد ، زاد الأثر والضرر على الدول التي يقطع النفط عنها . الا أن الاجتماع العربي الجدي متعذر . كما ان مدة قطع ضخ النفط لما تسببه من تخفيض مقابل في ايرادات النفط محدودة . ويقــــــدر الضرر الذي لحق اقتصاد اوروبة الغربية، من جراء ما تم قطعه من ضخ النفط العربي فعلا ، بجوالي ۲۵۰ مليون دولار خلال شهر حزيران ١٩٦٧ . اما الضرر العربي فيقدر بحوالي ١١٥ مليون دولار خلال الشهر نفسه.

وعلى هذا الأساس قد يصار الى السبيل الثاني ، وهو حظر صادرات النفط العربي عن الدول الاستعمارية المساندة للعدوان : امريكا وبريطانيا والمانية الغربية . إلا ان هذا الاجراء ، بخلاف قطع ضخ النفط ، يتصف بصعوبة التنفيذ العملي . إذ ان التحايل على الوعود والتعهدات التي قد تقطعها الشركات الناقلة او الشركات المصدرة بعدم ايصاله إلى البلاد المقاطعة ممكن عملياً وعسير اثباته بالنظر للاتفاقات السرية بين شركات النفط الكبرى حول حصر المبيعات وتوزيع الاسواق فيما بينها ، واشتراك بعضها في نفط بعضها الآخر . مثال ذلك تملك شركة النفط البريطانية حصة مهمة تبلغ ٤٠ ٪ من اتحاد الشركات

العاملة في ايران . وهي تصدر حوالي ثلاثين مليون طن من النفط الايراني الى ايطالية . الا انها تملك نصف رأسمال شركة

نفط الكويت ، وهي تصدر حوالي أربعين مليون طن من النفط الكويتي الى بريطانيا . وعلى هذا يكون باستطاعة شركة النفط البريطانية تحويل نقطها الايراني من سوق ايطالية الى بريطانية، وتحويل نفطها الكويتي من سوق بريطانيا الى ايطالية . وبذلك تستطيع شركة النفط البريطانية ان تخرق حظر تصدير البترول الكويتي دون ان تستطيع الكويت البرهنة على ذلك . هذا ولدول حلف الاطلسي اتفاقيات سرية بشأن توزيع النفط العربي في حالات الطوارىء من شأنها الحد من تأثيرات خطر التصدير .

وبالنظر للآثار السلبية الذاتية لقطع ضخ النفط الكامل الشامل من جهة ، والصعوبات العملية التي تعترض تطبيق حظر صادرات النفط عن الدول المساندة للعدوان ، يصبح من الضروري التأمل في ولوج الطريق الثالث وهو تقنين انتاج النفط العربي والتعاون والتضامن النفطي - السياسي العربي السوفياتي.

لقد قررت منظمة الاقطار المصدرة للنفط في مؤتمرها التاسع الذي عقد بمدينة طرابلس الغرب بليبيا في عام ١٩٦٥ ، دراسة امكانية تحديد الانتاج في الدول الاعضاء ، وفرض نظام للتقنين الغاية منه ايقاف تدهور سعر البترول الخام ، ومنع تبديد الثروات البترولية ، ووضع حد لأساليب الضغط التي تمارسها الشركات عن طريق تهديد بعض الدول المنتجة بزيادة انتاج الدول الأخرى على حسابها.

وليس موضوع تقنين الانتاج بالشيء الجديد في صناعة البترول العالمية ؛ فالولايات المتحدة تطبقه منذ ۱۹۳۳ . وذلك في اعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي أدت الى تخفيض اسعار البترول الأمريكي الى عشر سنتات للبرميل الواحد . انما الجديد هو ما يكتسبه موضوع التقنين في الظروف الراهنة من أهمية نظراً لكونه سلاحا ماضياً في تحقيق المقاطعة النفطية لأسواق الدول الاستعمارية ، فضلاً عما يترتب عليه من فوائد جمة لتثبيت الاسعار وتعزيزها ، وحماية ايرادات النفط ، ومراقبة صناعة النفط ، وتحديد الانتاج في ضوء مصالح البلد المنتج ، لا على اساس مخططات الشركات الاستعمارية (١)

تقنين انتاج النفط انما هو عبارة عن اتفاق عدد من الدول العربية المنتجة للنفط على تحديد انتاجها ، وتحديد وتاثر زيادة انتاجها السنوية . وهدف تقنين انتاج النفط العربي الآن هو

إحكام المقاطعة النفطية ضد اسواق الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا الغربية .

ولا بد ان تكون الاقطار الداخلة في الاتفاق على تقنين انتاج النفط قد حققت الاستقلال السياسي الشكلي ، ولها كيان دولي معترف به وتتمتع بحقوق السيادة الى حد ما . ولذا فلا محيص استثناء اقطار نفط الخليج الخاضعة للسيطرة البريطانية التامة عن كقطر وابو ظبي والبحرين على ان يشمل الاتفاق الدول العربية النفطية التالية : العراق والكويت، والعربية السعودية ، وليبيا، والجزائر

و على هذا الاساس ، لا بد من ان نبدأ بانتاج النفط لهذه الدول وصادراتها الى الدول موضوع المقاطعة النفطية لأحدث سنة تتوفر عنها الاحصاءات التفصيلية لمصادر تصدير النفط واسواق تصريفه ، كما هو مبين في الجدول رقم (۹).

الجدول رقم (۹)

حدود المقاطعة النفطية على اساس صادرات النفط الخام لسنة ١٩٦٤

الاقطار المستوردة

بريطانية الولايات المتحدة المانية الغربية المجموع

الاقطار المصدرة مليون طن/ مليون دولار مليون طن/ مليون دولار مليون طن/ مليون دولار مليون طن/ مليون دولار

العراق 14.1 220.6 - - 5.4 94.3 16.8 314.7

الكويت 18.2 327.8 3.4 47.9 2.7 40.8 24.3 416.5

السعودية 1.8 32.9 5.5 77.7 7.4 127.7 14.7 233.3

ليبيا 9.1 176.8 1.8 27.1 14.4 246.5 25.3 350.4

الجزائر 0.1 2.1 0.3 4.6 2.9 54.3 3.3 60.0

المجموع 40.6 760.2 11.0 157.3 32.8 513.6 84.4 1.481.1

ففي عام ١٩٦٤ ، بلغ مجموع صادرات للعراق والكويت والسعودية وليبيا والجزائر الى بريطانيا وحدها حوالي ٤٠,٦ مليون طن أو ما قيمته ٧٦٠,٢ مليون دولار ؛ والى الولايات المتحدة الامريكية ۱۱٫۰ مليون طن أو ما قيمته ١٥٧,٣ مليون دولار ؛ والى المانية الغربية ۳۲٫۸ مليون طن أو ٥٦٣,٦ مليون دولار . ومعنى ذلك ان مجموع ما صدرته الدول العربية المعنية الى اسواق هذه الدول الثلاث بلغ ٨٤,٤ مليون طن ، أو ١, ٤٨١ , ١ مليون دولار في ١٩٦٤ . وتكون حصة الاقطار العربية المنتجة للنفط من مقادير تخفيض الانتاج كما يلي: العراق ١٦,٨ مليون طن ؛ الكويت ٢٤,٣ مليون طن ؛ السعودية ١٤,٧ مليون طن ؛ ليبيا ٢٥,٣ مليون طن ؛ والجزائر ٣,٣ مليون طن ، بموجب صادراتها في عام ١٩٦٤

وعلى هذا يمكن صياغة قاعدة تقنين انتاج النفط العربي على الوجه التالي:

حجم انتاج النفط لكل من العراق والكويت والسعودية وليبيا والجزائر في ١٩٦٦ ناقصاً صادرات كل منها الى الولايات المتحدة وبريطانيا والمانيا الغربية في نفس السنة ، زائداً زيادة الانتاج السنوية على ان لا تتعدى ٥ % = انتاج النفط المقنن لكل من هذه الاقطار .

وغني عن البيان امكان الاتفاق بين هذه الدول العربية الخمس بالنظر لضآلة التضحية المطلوبة منها وعدالتها بالمقارنة مع ابعاد الموقف الراهن الذي يتهدد وجود الأمة العربية برمتها . وان تلكات بعض الدول العربية التي ما تزال في ظل نظم حكم لا تمت إلا الى القرون الوسطى ، فلا مندوحة لعمال النفط العرب في هذه الدول من اداء واجبهم القومي في فرض ارادتهم وارادة الامة العربية لتطبيق تقنين انتاج النفط العربي تطبيقاً شعباً حازماً.

ان اتفاق هذه الدول العربية المنتجة للنفظ على صيغة تقنين انتاج النفط فيها يمكنها من الضغط الاقتصادي الشديد لا سيما على اسواق بريطانيا والمانيا الغربية ، بالحد الأدنى من الضرر الاقتصادي الذي قد يقع عليها . لأن تقنين الانتاج ومنع التصدير الى اسواق معينة ، وإن كان قد ينطوي على احتمال خسارة بعض الدول المنتجة لبعض من اسواقها، إلا انه يميل الى تعزیز اسعار النفط الخام وبالتالي الى زيادة ايراداته.

وفي ظل نظام التقنين ، وهو تقييد الانتاج وتثبيت الاسعار ، ينشأ خطر الخسارة لبعض الاسواق من الاسباب التالية :

۱ - زيادة الانتاج من قبل البلدان المصدرة للنفط والتي لا تشترك في نظام تقنين الانتاج

۲- ازدياد الانتاج المحلي من قبل البلدان المستوردة وخصوصاً تلك التي لديها مقدرة على التحكم بمستوى طاقتها

الانتاجية

۳- تزايد حصة الطاقات المزاحمة كالفحم ، والغاز الطبيعي ، والطاقة الذرية والطاقة المائية في سوق الطاقة العالمية

٤ - نقصان في نسبة نمو الطلب العالي للطاقة وخصوصاً للمنتوجات البترولية وذلك بسبب صعوبات تواجه بعض البلدان المستوردة من جراء حاجاتها الى التحويل الخارجي ( او القطع الاجنبي) ، وايضاً بسبب تزايد فعالية استخدام طاقات اخرى كتوليد الحرارة بالقوة الكهربائية .

ولدى قيام منظمة الاقطار المصدرة للنفط بدراسة نظام التقنين الدولي, وجد أن باستطاعة البلدان ان تتحمل مثل هذه الخسارة ( في الاسواق ) من دون أن تخسر من عائداتها الأجمالية. وذلك لأنه من المنتظر ان يزيد نظام التقنين دخل البلدان المنتجة حوالي ۰٫۰۲ دولار من البرميل الواحد . ويدخل ضمن هذا الافتراض احتمال استمرار الانخفاض في الاسعار

وهنالك عامل آخر وهو أنه في ظل نظام التقنين يكون الربح مباشراً بينما تكون الخسارة في المدى البعيد - الربح المباشر : بالنظر لعدم مرونة الطلب على النفط للمدى القريب . فان تحديد الكمية يعني ارتفاع الاسعار.(1)

و من الضروري التأكيد على مدى فاعلية مقاطعة الاسواق الاستعمارية الامريكية والبريطانية والالمانية بموجب تقنين انتاج النفط العربي . إذ ان مجموع النقص المخمن في انتاج النفط العربي نتيجة لتطبيق التقنين تبلغ حوالي ۱۰۰ مليون طن سنوياً تقريباً. وهذه الكمية تزيد على السعة الانتاجية غير المستغلة لصناعة النفط خارج الولايات المتحدة الامريكية . وحتى في حالة استغلال جزء من السعة الانتاجية غير المستغلة في الأمد القصير ، فان ذلك لا يتم إلا بثمن يبلغ دولاراً اضافيا لكل برميل من النفظ الامريكي .

ولا يخفى ما للاتفاق على تقنين انتاج النفط العربي من فائدة تنجم عن مساهمة الدول العربية في تقرير مستوى انتاجها و ممارستها السياسية التدخلية في الانتاج لأول مرة . وتترتب على تقنين انتاج النفط العربي فرصة تنشأ عن ظرف استثنائي يتميز بنشوء عجز في سوق النفط الدولية ، أي بزيادة الطلب على العرض من النفط في العالم وبالتالي يميل نحو ارتفاع اسعار النفط الخام .

ويمكن ان تنشأ ،عبر نضال الدول العربية النفطية لتطبيق نظام التقنين ضد الدول الاستعمارية ، منظمة الاقطار العربية المصدرة للنفط لتقوم فعلا بتوحيد السياسة النفطية العربية ، وتنفيذ المشروعات النفطية المشتركة في النقل ، والتسويق ، والتصنيع الكيماوي - البترولي ، فضلا عن السياسة الموحدة للانتاج والاسعار .

وهنا يثير انصار احتكار البترول الدولي وغيرهم مسألة العلاقة التنافسية بين النفط العربي والنفط السوفياتي. ألا تؤدي المقاطعة النفطية لأسواق بريطانيا والمانيا الغربية وامريكا إلى اغراق النفط السوفياتي لهذه الاسواق وحلوله محل النفط العربي؟ هذا التساؤل بأن العرب والغرب هم المتضررون وأن ألا يوحي السوفيات هم المنتفعون من المقاطعة النفطية ! والمغزى السياسي واضح : العرب والغرب ضد الاتحاد السوفياتي ! ولا يخفي ان هذا الايحاء انما هو نقيض حس ابن الشارع العربي الذي يقول صراحة : العرب والسوفيات ضد الغرب وصنيعته اسرائيل . والذي بنادي ايضاً النفط العربي والنفط السوفياتي ضد احتكار البترول الاستعماري .

لقد استخدمت شركات البترول الاستعمارية البترول السوفياتي سلاحاً لتخويف البلاد العربية والضغط عليها للرضوخ حيال تخفيض اسعار صادرات البترول العربي . إلا ان الاتحاد السوفياتي كان اول الدول المصدرة للبترول . اذ كانت صادراته الى الدول الاوروبية تعادل ١٦,٥٪ من الاستهلاك المحلي قبل الحرب العالمية الثانية . وهو الآن يصدر ٢٢,٩٤٩,٥٠٠ طن اي حوالي ٨% من حاجة هذه الاسواق . وهي تساهم بحوالي ٥ ٪ من صادرات البترول في العالم .

وكان انتاج البترول السوفياتي قد بدأ عام ١٨٦٠ تحت سيطرة ثلاث شركات اجنبية استعمارية ، وتطور في ١٩٠٠ ليكون الدولة المنتجة الأولى في العالم ، حتى تم تأميمة في عام ۱۹۲۰ بعد انتصار الثورة الاشتراكية في عام ۱۹۱۷ . ثم أصبح الاتحاد السوفياتي اول من استعمل طريقة الحفر التوربيني ، مما أدى الى انخفاض كلفة انتاج البترول السوفياتي من حوالي ( ٥٧,٣١ ) روبل قديم للطن عام ١٩٥٠ ، اي ( ١,٩٦) دولاراً أمريكيا للبرميل الى حوالي ( ٢١,٢٤ ) روبل قديم للطن اي ( ٠,٧٣ ) دولاراً في الوقت الحاضر.

إلا ان كلفة انتاج النفط السوفياتي عالية بالنسبة للنفط العربي . كما يظهر جليا من مقارنة كلفة ٧٣ سنتا امريكيا للبرميل من النفط السوفياتي مع أعلى كلفة للنفط العربي وهو الجزائري البالغة ٤٦ سنتاً أمريكيا للبرميل ، ناهيك بادناها كلفة وهو النفط العراقي البالغة ٤,٢ سنتات للبرميل ، وفق ارقام الجدول رقم (۳)

ويضاف الى ذلك ارتفاع نسبة احتياطي النفط العربي و انخفاض احتياطي النفط السوفياتي الى احتياطي النفط العالمي . فكما يظهر من الجدول رقم (۲) ، ان احتياطي النفط في مجموع المعسكر الاشتراكي لا يزيد ٨,٧ ، بينما يبلغ احتياطي النفط العربي حوالي ٥٦,٥٪ من مجموع احتياطي النفط العالمي.

ولعل مقارنة نسبة صادرات النفط العربي والنفط السوفياتي هي التي تزيد الأمر جلاء . فبينما تبلغ نسبة صادرات النفط

العربي الى صادرات النفط العالمي حوالي ٥٠ % ، لا تزيد نسبة صادرات النفط السوفياتي الى صادرات النفط العالمي على 5٪ . لقد بلغ مجموع صادرات الاتحاد السوفياتي في عام ١٩٦٤ ، ٥٦,٤ مليون طن ، يمثل النفط الخام منها حوالي ٣٥ مليون طن والباقي من المنتجات النفطية. وكانت صادراته موزعة بين اوربة الغربية التي استوردت ۲۲٫۹ مليون طن ، واسواق المعسكر الاشتراكي التي استنفدت ٢٥,٣ مليون طن ، واسواق آسية وافريقية وامريكة الجنوبية التي استوردت حوالي ٨,٣ مليون طن .

وقد توصلت دراسة منظمة الاقطار المصدرة للنفط إلى أنه : ليس من المحتمل ان تنشط صادرات الكتلة الشرقية بسبب التقنين الدولي . وذلك لأن تضخم العرض في صناعة البترول بالاتحاد السوفياتي يتطلب توسعا كبيراً وتكييفاً جديداً في التخطيط العام. وفي اقصى الحالات فلا ينتظر ان تتعدى الصادرات نسبة ٢٥% كنتيجة للتقنين الدولي ، مع العلم انه انه قد يحدث ايضاً تحديد في الطلب. وخلاصة القول ان هناك عائقين بالنسبة للاتحاد السوفياتي عائق العرض الذي يتطلب تكييفاً جديداً في التخطيط العام ، وعائق آخر في الطلب الذي يعود لسياسة الدول الغربية الصناعية (١)

ليس من خطر على النفط العربي وصادراته من النفط السوفياتي ، ما دام احتياطيه اكبر وكلفة انتاجه اوطأ ، بل مصلحتها مشتركة في انهاء احتكار البترول الدولي من خلال التضامن بين النفطين العربي والسوفياتي من أجل تقنين الانتاج وتحديد الاسعار وتوزيع الاسواق ، وفق المنافع المتبادلة ؛ وعلى اساس من تأميم البترول العربي تأميماً عملياً ناجحاً ، يحرر الاقتصاد العربي من رأس المال النفطي الاستعماري ، ويفتح امامه طريق التطور الحر نحو الاشتراكية، ويوفر له مستلزمات اطراد الثورة العربية حتى نهاياتها لتحقيق اهداف الأمة العربية في الدمقراطية الثورية والوحدة الاشتراكية .

الفصل الرابع

تأميم النفط العراقي

لقد جرب العراق ، منذ ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ ، اسلوبين لانتزاع حقوقه من شركة نفط العراق والشركات المتحدة معها، وهما اسلوب ( المفاوضات ) واسلوب ( التشريع ) .

إلا انه من الضروري بيان اوجه الغبن الذي لحق العراق من جراء امتيازات النفط الحالية. توجد حتى الآن اربع الآن اربع اتفاقيات. كانت اولاها في ۱۹۲٥ . والثانية في ۱۹۳۱ . والثالثة في في ۱۹۳۸ . والرابعة في ١٩٥٢ . وجميع هذه الاتفاقيات عقدت في ظل الانتداب البريطاني المباشر أو في ظل الحكم العراقي التابع. ولما لم يكن الطرفان متكافئين ، أملت شركات النفط شروط الامتيازات وصاغت احكامها صياغة تخدم مصالحها. اذ نصت اتفاقيتا ۱۹۲۵ و ۱۹۳۱ على سيادة النص الانكليزي ( المادة ٤٣ ) .

وقد نصت الاحكام العامة لهذه الامتيازات على قيام شركات نفط العراق والموصل والبصرة باستخراج النفط واستثماره وبيعه في مجموع مساحة العراق ، عدا المساحة الصغيرة التي كانت تستثمرها شركة نفط خانقين التي كانت تابعة لشركة النفط الانكليزية - الفارسية ( البريطانية فيما بعد) . اما مدة الامتياز فقد كانت ( ٧٥ ) سنة تنتهي آخرها في عام ۲۰۱۳ . ولم تنص على ضرورة تنازل أو تخلي الشركات عن بعض هذه الاراضي خلال أية فترة من الزمن . بل احتكرت الارض العراقية أو ثروتها النفطية شركة النفط البريطانية، وشركتا سوكوني فاكيوم وستاندرد أويل أوف نيوجرسي الامريكيتان ، وشركة النفط الفرنسية ، وشركة شيل بنسبة ٢٣,٧٥% لكل منها ، والممول الوسيط الارمني كولبنكيان بنسبة ٥ % .

كانت شركات النفط تدفع ريعاً مقداره ٤ - ٦ شلنات ذهبية للطن الواحد حتى ١٩٥٢ . حين عقدت اتفاقية مناصفة الأرباح. وقد اعتادت الشركات التهرب من التزاماتها المالية على ضالتها . فلم تدفع الربع على أساس سعر الذهب في السوق الحرة ، بل على أساس السعر الرسمي الذي يقل كثيراً عنه ، فبينما كان العراق يتقاضى ( ۳۳۰ ) فلساً ، كانت السعودية تتقاضى حوالي ٤٢٥فلسا، عن الطن الواحد

اما تطبيق اتفاقيه ١٩٥٢ فقد خضع لتلاعب الشركات بحسابات الكلفة كحساب الاندثار ، وتنفيق الربع ، ونفقات التحري والحفر والايجار المطلق وفوائد القروض ونفقات الدعاية الخ . وهذا التلاعب بالتكاليف من شأنه تخفيض حصة العراق من الارباح الى ما دون النصف وكانت الشركات مطلقة التصرف بالانتاج والاسعار . ودليل ذلك تفوق الكويت والسعودية في الانتاج على العراق رغم سبق العراق لها بمدة طويلة من الزمن (۱) . اما التحكم باسعار النفط ، فتدل عليه التخفيضات المستمرة والتي قامت بها الشركات وخاصة في الاعوام ١٩٥٨ و ١٩٦٠

اما النص الخاص بـ ( حق الافضلية للاكتتاب بعشرين بالمائة على الأقل ) من أية اصدارية من الأسهم تعرضها الشركات على الجمهور ، فقد بقي حبراً على ورق. إذ ان شركات احتكار البترول الدولي التي تملك شركة نفط العراق والشركات المتحدة معها ، منحت كولبنكيان المساهمة بنسبة ٥ ٪ من رؤوس اموالها ، في حين حرمت أهل النفط حكومة وشعباً من المساهمة فيها ، بحجة عدم اصدارها للأسهم

وقد بقيت ادارة الشركات والاستخدام فيها ، وخاصة شؤون الادارة العليا ، منطقة حرام على أهل النفط . اذ فشلت الحكومات المتعاقبة في فرض مديرين عراقيين في مجلس ادارة الشركة يساهمون فعلاً في ادارتها .

كما بقيت شركات النفط غير خاضعة للقانون العراقي ، اذ انها غير خاضعة لقانون الشركات وتمنع امتيازاتها باشتراطها

التحكيم عند الخلاف ، القضاء العراقي من ممارسة حقوقه التي تمثل جانباً من سيادة الدولة على اراضيها . كما اعفيت الشركات من الضرائب والرسوم ، ولاسيما الرسوم الجمركية ، كما اعفيت صادراتها عملياً من احكام قانون مراقبة التحويل الخارجي . وقد نصت اتفاقيه ١٩٥٢ على الا يقل الحد الأدنى للانتاج عن (۳۰) مليون طن سنويا ( م -٥ ) وعلى الا تقل حصة الحكومة عن (٢٥) مليون باون استرليني سنوياً ابتداء من ١٩٥٥ (م -٦) . الا ان المادة السابعة نصت في حالة (القوةالقاهرة ) على امكانية تخفيض هذه الحدود الدنيا ، فنصت المادة الثامنة على الا تقل حصة الحكومة عن خمسة ملايين باون استرليني لأية سنة تقويمية في أية حال من الاحوال .

ونظراً لطبيعة الاجحاف التي انطوت عليها امتيازات النفط ، تبلورت مطالب الجانب العراقي في ثلاث نقاط . اولها ضرورة تنازل الشركات عن الاراضي غير المستثمرة حتى الآن وثانيها اعادة النظر في حسابات الكلفة على ان يتم الاتفاق على الأسعار وتحديد التكاليف ونسبها وكيفية حسابها وتنفيق الريع وزيادة نسبة حصة الحكومة من الارباح على النصف وثالثها مساهمة العراق في رؤوس اموال الشركات تطبيقا لاتفاقية سان ريمو لعام ۱۹۲۰ ، واعمالاً لنصوص الامتيازات المهملة ، وفي ادارة الشركات وتمثيل العراق تمثيلاً يمكنه من ممارسة اعمالها والاشراف عليها.

لقد انتهج الحكم الوطني الذي أعقب ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ سياسة (التفاوض) مع شركات النفط العاملة في العراق لتحقيق هذه المطالب . ودامت المرحلة الأولى من المفاوضات ، على اختلاف عناصر ها ، منذ الايام الاولى من الثورة حتى نيسان١٩٦١ . الا ان اسلوب المفاوضات فشل في تحقيق المطالب النفطية . بل جاء مصحوباً بتخفيض الانتاج والأسعار من قبل الشركات .

ومن هنا ، جاء التحول نحو اسلوب ( التشريع ) لتحقيق حقوق العراق النفطية . فصدر القانون رقم ( ٨٠) لسنة ١٩٦١ الذي انتزع ٩٩,٥٪ من الاراضي العراقية الخاضعة للامتيازات الاجنسة ، الا ان المادة الثالثة من هذا القانون تجيز " لحكومة الجمهورية العراقية اذا ارتأت تخصيص اراضي لتكون احتياطاً للشركات على ان لا تزيد على مساحة المنطقة المحددة لكل شركة "(۱). لقد حاولت شركات النفط ، رغم عدم اقرارها للقانون ۸۰ لسنة ١٩٦١ من حيث المبدأ ، استغلال هذه الثغرة فيه لنسفه من الاساس وزرع طريق تنفيذه بالألغام .

وتنفيذاً للقانون المذكور ، اعدت الحكومة عام ١٩٦٢ لائحة قانون تأسيس شركة النفط الوطنية . وكان من مزايا هذه اللائحة انها منحت شركة النفط الوطنية ( حصراً حق استثمار جميع المناطق التي تحتوي على الثروة النفطية والهيدروكربونية الطبيعية في العراق عدا ما هو مشمول بحكم من قانون تعيين مناطق الاستثمار لشركات النفط رقم ٨٠ لسنة ١٩٦١ ) . وقد صاحب صدور القانون رقم ۸۰ ولائحة قانون شركة النفط الوطنية العراقية هبوط حاد في معدل زيادة انتاج النفط ، حيث بلغت الزيادة لسنة ١٩٦٢ على سنة ١٩٦١ ٠٠,٣% فقط

وقد صاحب اغفال كلمة ( نفط) من ( المنهاج المرحلي ) وبالتالي خلوه من أية سياسة نفطية ، زيادة كبيرة في انتاج النفط وعوائده لعام ١٩٦٣ ، اذ ارتفعا بحوالي ١٤,١ ٪ إلا ان النص على الالتزام بالقانون رقم ۸۰ وتشريع قانون شركة النفط الوطنية رقم ١١ لسنة ١٩٦٤ ، وضدور قوانين التأميم في عام ١٩٦٤ ، جاء مصحوباً بهبوط وتأثر انتاج النفط وعوائده الى حوالي ٨,٧% و ٥٠% و ٨,٢% في الاعوام ١٩٦٤ و ١٩٦٥ وہ و ١٩٦٦ . وجاء قانون شركة النفط الوطنية خلوا من شرط الاراضي غير المستثمرة المنتزعة بموجب القانون رقم (۸۰) لشركة النفط الوطنية ، مما يجعل قانونها أقل جدية من لائحتها

السابقة (١) . "وقد اعطى ذلك الشركات الاجنبية فرصة لكي تمارس ضغوطاً من نوع جديد تستطيع عن طريقه ربط الشركة الوطنية بعجلتها وجعلها تابعاً يدور في فلكها ، ومن ثم تجميد الشركة الوطنية تجميداً تاماً لمؤسسة مستقلة تعمل على انشاء صناعة نفط وطنية قائمة بذاتها دون ان تستند الى رحمة شركات النفط في العراق " (٢)

وعلى هذا الاساس بدأت المرحلة الثانية من مفاوضات العراق مع شركات النفط ما بين ٥/٢/٦٤ و ٣ /٦/ ١٩٦٥ . وقد جرت هذه المفاوضات بكتمان تام ومن وراء ظهر الشعب . واسفرت عن ( تقرير ) شهير ، ومسودة اتفاقيتين ، احداهما لتعديل امتیاز عام ١٩٥٢ والاخرى لتأسيس ( شركة نفط بغداد ) . وقد ولدتا موؤدتين بالنظر لموقف الرأي العام العراقي منها .

ويظهر من الدراسات التي تمت لهذا ( التقرير ) ولمسودتي الاتفاقيتين ان وفدي الحكومة وشركات النفط قد اشتركا في

المنطلقات التالية :

١ - وجود حق مسبق للشركات في الاراضي التي انتزعها القانون رقم ۸۰ منها بصرف النظر عن مبدأ سيادة الدولة على اراضيها ومواردها الطبيعية

۲ - اعادة جزء من الاراضي المنتزعة الى الشركات عن طريق تطبيق المادة الثالثة من القانون رقم ٨٠ أو عن طريق المشاركة في اراضي اخرى مع شركة النفط الوطنية

٣ - عقد اتفاقيتين منفصلتين بين كل من الحكومة وشركة النفط الوطنية ، كل على حدة ، مع شركات النفط العاملة في العراق ومع مالكيها من جهة أخرى

٤- الموافقة على الاتفاقيتين وتصديقها في آن واحد .

لقد ترتب على هذه المقدمات والمنطلقات المشتركة بين وفدي الحكومة وشركات النفط أن آلت المفاوضات الى النتائج الرئيسية التالية :

۱ - ابطال مفعول القانون رقم ۸۰ بصورة فعلية . وذلك بإعادة اراضي ذات احتمالات نفطية خاصة الى الشركات مساحتها ( ۱۹۳۷ ) كيلومتر مربع وتشمل حقل الرميلة الشمالي وحقل طوبة وامتداد حقل الزبير شمالاً في الجنوب بالاضافة الى حقل جنوب كركوك وجنوب باي حسن وشمال جنبور وغيره في الشمال ؛ وامتداد حقل عين زالة وحقل بطمة الغربي في منطقة الموصل . وهي تحتوي على حوالي ثلاثة الاف مليون طن من الاحتياطات الثابتة

۲ - ابقاء نظام الامتيازات على ما هو عليه دون تعديل او تبديل جذري رغم الاجحاف الواضح ورغم التطورات التي طرأت على الامتيازات النفطية الجديدة مع الكويت والسعودية وليبيا ، ومع الجزائر وايران بصورة خاصة

۳- ربط شركة النفط الوطنية بالشركات الاجنبية ربطاً يجعلها تدور في فلكها. حيث تقوم اتفاقية ( شركة نفط بغداد ) عملياً على تنازل شركة النفط الوطنية عن ( ٣٢ ) الف كيلومتر مربع مقابل مساهمتها بنسبة الثلث من رأس المال للشركة المذكورة مع بقاء الثلثين في حوزة شركات النفط العاملة في العراق

لقد آلت ( مفاوضات) العراق مع شركات النفط العاملة فيه الى المماطلة والتسويف دون ان تحقق حقاً من حقوق البلاد النفطية . كما واجه ( التشريع ) النفطي وخاصة القانون رقم لسنة ١٩٦١ ، مقاومة الشركات التي افضت الى تجميده او تعطيله

كما حاولت ابطال مفعوله القانوني ايضاً . وهذه النتيجة ، فيما اعتقد ، منطقية وطبيعية ، ما دام احتكار البترول الدولي المتمثل في شركة نفط العراق والشركات المتحدة معها هو المهيمن على ثروة العراق النفطية وآباره المنتجة فعلا . اذ ان شركات النفط قادرة، بحكم وجودها وقوتها الاحتكارية واجهزتها المتنوعة الداخلية والعالمية ، على استغلال ما يقتضيه انشاء قطاع نفطي وطني مستقل عن الشركات وآبارها المنتجة حالياً ، من وقت طويل وإعداد كبير، لإجهاضه ، ما دام كيانها الاساسي قائماً في البلاد ومهيمنا على ثروته النفطية الأصلية (١)

لقد مضت تسع سنوات على ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ وهي تحاول تحقيق حقوق العراق النفطية من خلال (المفاوضات) و (التشريعات). إلا ان النتيجة العملية كانت فشل العراق في تحقيق أي من حقوقه

النفطية تحقيقاً عملياً يؤتي ثماره من جهة ، وسبق الدول النفطية الأخرى الأكثر تخلفاً والأقل تحريراً منه في زيادة انتاجها ، لاسيما

ايران والسعودية والكويت، و في تطوير بعض الصناعات البترولية الكيمياوية وخاصة صناعة الأسمدة، وفي عقد امتيازات ذات شروط افضل من الامتيازات الحالية ، لا سيما مع فرنسة وايطاليا واليابان ، من الجهة الاخرى .

وهذه التجربة تؤكد مرة اخرى وجود طريقين نفطيين : طريق مجابهة شركات النفط وانتزاع حقوق البلاد بالسيطرة على منشآتها المنتجة ، أو طريق الاستسلام لها وكسب فتات المشاركة التي تسمح بها .

اذن ، لا بد من اللجوء الى الحل النهائي والدواء الاخير

باتباع اسلوب التأميم الموضوعي ، بعد فشل اسلوبي ( المفاوضات ) و ( التشريعات ) خلال سنوات ما بعد ١٤ تموز ١٩٥٨ .

تتمثل قوة احتكار البترول الدولي في امتلاكه لحوالي ٩٠٪ من وسائل انتاج النفط وتسويقه خارج الولايات المتحدة الاميركية والعالم الاشتراكي ، ٦٢% من النفط الخام، و ٤٠٪ من ٦٢٪ ناقلاته في العالم الرأسمالي ، وسياسته الموحدة في حماية مصالحه في الانتاج والاسعار والارباح الاحتكارية، والدعم الذي يلقاه من بعض الدول الإستعمارية ولاسيما الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا. وقوة احتكار البترول الدولي هذه تفرض تعبئة جميع الطاقات والقدرات الممكنة لمقاومته مقاومة فعالة بإحداث تحولات جذرية في صناعة النفط العربية. ومن هنا، يبرز الجانب النظري لأهمية التأميم الجماعي للنفط العربي . اذ لو كان التحول عملياً لكانت النتائج لا تعدو احد احتمالين : الأول انهيار كارتيل البترول الدولي ككارتيل وتحوله الى مؤسسة تجارية تتعامل بتجارة النفط كأي سلعة أخرى مؤدية دور الوسيط بين صناعة النفط العربية المؤممة والاسواق الدولية . والثاني نشوب حرب استعمارية جديدة مآلها : إما نهاية الاستعمار الجديد وانتصار الاشتراكية على نطاق عالمي ، وإما الاحتلال المباشر للدول العربية لحماية المصالح الاستعمارية.

(۷)

إلا اننا لو طبقنا شرط الجماعية في العمل من اجل التحرر من الاستعمار السياسي ، لبقيت جميع البلدان العربية ، بل وغير العربية ايضا ، تحت الحكم الاجنبي الى الآن . إلا أن سنة التطور الفعلي لا تشترط الجماعية. بل تنشأ الثورة الوطنية ضد الاستعمار وتنتصر حيثما تتوفر الشروط الموضوعية والذاتية للنجاح . ومن هنا كان قيام ثورة ٢٣ تموز ١٩٥٢ في مصر ضد الاستعمار البريطاني ، ثم انتشرت آثارها على البلاد العربية التي نضجت ظروف الثورة على الاستعمار فيها . فكانت ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ في العراق ، والثورة التقدمية في سورية . وقس على ذلك، التحولات الاجتماعية الرئيسية المتمثلة في حركات الاصلاح الزراعي والتأميم. فهي الأخرى نشأت في قطر عربي معين ثم انتشرت الى الاقطار الأخرى .

وعملية تأميم النفط لا تشذ عن سنة التطور . فإنها لا بـــد بادئة في البلد الذي تتوفر فيه الشروط الموضوعية والذاتية لنجاحه . ثم تنتشر الى مجموع الوطن العربي آخر الامر . فإن وجد بلد عربي تتوافر فيه شروط نجاح التأميم اكثر من غيره فهو العراق . لأنه اقدم البلدان العربية المنتجة للنفط في بداية انتاجه ، وفي بداية استقلاله السياسي ، وفي تطور ملاكاته الادارية والفنية ، وفي توافر موارده الاقتصادية الأخرى ، وفي خاصية شعبه الثورية التي تؤثر العمل الطموح والتضحية الوطنية الهادفة.

لكن، لم ينبغي تأميم النفط العراقي ؟ وما هي صيغ التأميم المقترحة ؟ وما هي امكاناته العملية أو شروط نجاحه

الأساسية ؟

اعتقد ان المبدأ العام لتأميم النفط العراقي أصبح مقبولاً ومعبراً عن ارادة الاغلبية الساحقة من الشعب العراقي ، لاسيما في صيغته العامة المعروفة ( القطاع النفطي هو أهم قطاع لا في الاقتصاد الوطني فحسب، بل في الستراتيجية السياسية على المدى الطويل ، مما يقتضي التعامل مع كات النفط العاملة في العراق وفق مخطط طويل الأمد سياسي ، اقتصادي الأمد سياسي ، اقتصادي ، عسكري ، داخلي ، عربي ، ودولي لتأميم النفط في الظروف المؤاتية ) .

ولكن لماذا حصل ما يقرب من الاجماع على قبول التأميم من حيث المبدأ ؟ لأن الخصائص السلبية التسع التي تتصف بها صناعة النفط العربية في ظل احتكار البترول الاستعماري تتجسد أشد ما تتجسد في صناعة النفط العراقية . إن قدم صناعة النفط العراقية ونضجها للتأميم هو الذي يجعل التأميم وحده القادر على تحويل نقمة النفط على الشعب العراقي الى نعمة من جميع الوجوه السياسية والاقتصادية والعسكرية .

ويمكن اجمال شروط التأميم الصناعي الناجز للاستثمار الاجنبي النفطي الناضج في أربعة عوامل رئيسية هي :

۱ - بلوغ التركيز الاقتصادي للاستثمار الأجنبي حداً يكون معه خطراً جدياً على سيادة الدولة الاقتصادية والسياسية . ويتضح ذلك من الحقائق التالية :

أ - تمثل قيمة انتاج النفط العراقي حوالي نصف قيمته من الناتج الجغرافي العراقي ( أي من كل ما ينتج داخل الحدود العراقية) وهو يمثل حوالي ربع قيمة الناتج أو الدخل الوطني تقريباً

ب - تمثل ايرادات النفط معظم ميزانية الخطة الاقتصادية الفعلية

ج - تمثل ايرادات النفط حوالي نصف ايرادات الميزانية الاعتيادية الحقيقية

وأي خطر اكبر على السيادة الاقتصادية من خطر شركات النفط الاستعمارية التي تلعب هذا الدور كله بشكل مباشر

ومشروع فقط !

٢- عجز شركات النفط العاملة في العراق عن تطوير الموارد النفطية العراقية تطويراً يتناسب مع احتياطي النفط العراقي . وعجزها عن القيام بتطوير صناعة تصفية النفط والغاز الطبيعي والتصنيع البترولي - الكيمياوي . اذ انه استناداً الى ارقام هذه الشركات نفسها ، يكون احتياطي النفط العراقي حوالي ۳۲۰۰ مليون طن أو ٧,٧٪ من مجموع احتياطي النفط العالمي بينما يمثل انتاج العراق حوالي ٤,١٪ من مجموع انتاج النفط العالمي . وهذا يعني ان الشركات حالت دون استخراج حوالي النصف من قابليات احتياطي النفط العراقي . ولذلك بقي العراق وفق سياسة احتكار البترول الدولي متخلفاً حتى في صناعته النفطية رغم ضآلة تكاليف انتاجه البالغة حوالي ١٥ فلساً للبرميل الواحد ، وجودة نوعية نقطه ، وارتفاع نسبة الارباح التي يحققها الى رأس المال المستثمر في انتاجه ، البالغة حوالي ٦٦% .

كما ان شركات النفط لم تساهم في تطوير صناعة التصفية وتصدير المنتجات النفطية التي تزيد من دخل العراق وترفع من مستوى تطوره الصناعي . بل كان لها مشروع تأسيس مصفى بسعة أربعة ملايين طن سنوياً لغرض التصدير في اواخر العهد الملكي. الا انها سرعان ما تخلت عنه في العهد الجمهوري . وقد يكشف التاريخ يوماً عن دورها في عرقلة وتجميد مشروع مصفى البصرة الذي كان من المفروض انجازه وشروعه بالانتاج الآن . اما الغاز

الطبيعي فلا يزال يحترق هباءً . إذ ان كمية الغاز المحروق تقديرات شركات النفط نفسها تناهز ٩٦ مليون قدم مكعب في اليوم

بالنسبة لشركة نفط البصرة (۱) . واما التصنيع البترولي الكيمياوي ، فقد سبقتنا فيه حتى الدول النفطية المتخلفة كالكويت مثلاً.

۳- قيام الاستثمار الاجنبي على نمط من الانتاج ومراحله واسعار منتوجاته يجعله دولة اقتصادية مستقلة داخل الدولة تعمل وفق مصالح و عوامل اقتصادية سياسية خارجية لا تمت إلى الوطن والشعب والأمة العربية بأية صلة ، وبالتالي تحول دون امکان قيام التخطيط الاقتصادي العالمي الذي يؤول من حيث النتيجة إلى تصفية الاستثمار الاجنبني ، الأمر الذي يجعل هذا الاخير يعمل على تخريب التخطيط والتطور الاقتصادي من الداخل وبكل الوسائل.

٤-كون الاستثمار الاجنبي في تطوير الثروة النفطية عملا امتيازياً احتقارياً يحقق أرباحاً استغلالية تستوعب المصدر الرئيسي لتراكم رأس المال العراقي. ويحجب تحويله الى خارج البلاد عن الاقتصاد الوطني كل منافع الاستثمار الثانوي وعملية التفاعل بين الاستثمار المحجوب ومستوى الاستخدام والدخل أو ما يسمى اقتصادياً

بتأثير ( المضاعف ) من جهة ، وبين الدخل المحجوب ومستوى الاستثمار التكميلي أو ما يسمى اقتصاديا بـ (المعجل)

من الجهة الاخرى.

لئن كانت هذه هي الاسس الرئيسية لإقرار مبدأ تأميم النفط العراقي ، فما هي صيغه العملية المختلفة ؟

من الممكن تصنيف صيغ تأميم النفط العراقي الى اربع صيغ . الصيغة الاولى تقوم على اساس التأميم الكلي لمجموع رؤوس اموال شركات النفط العاملة في العراق. وهذه الصيغة ، على ما لها من مزاياها الواضحة ، تستلزم مستوى معيناً من تقنين انتاج النفط العربي لدعم تأميم النفط العراقي من خلال ما يسببه من عجز في سوق النفط الدولية بيسر تصريف النفط العراقي المؤمم . كما يقتضي مستوى عالياً من التضامن الكفاحي على الصعيدين الشعبي والرسمي. وكذلك يستدعي درجة عالية من التقشف الاقتصادي الذي ينبغي ان يتحمله الشعب خلال اولى مراحل التأميم الكلي وادوار مقاومة احتكار البترول الدولي له.

اما الصيغة الثانية لتأميم النفط العراقي فيمكن تسميتها بالتأميم الجزئي غير الموحد . وهذا يشمل جميع رؤوس الأموال الامريكية والبريطانية والهولندية والفردية ، ويستثني فقط مساهمة رؤوس الاموال الفرنسية . وهذه الصيغة تقتضي،

درجة اقل من تقنين انتاج النفط العربي ، والتضامن الشعبي والرسمي ، والتقشف الاقتصادي السليم.

والصيغة الثالثة لتأميم النفط العراقي انما هي التأميم الجزئي الموحد . وهذا ينحصر في تأميم احدى شركات النفط الثلاث العاملة في العراق ، كتأميم شركة نفط البصرة (١)

أو شركة نفط العراق ( كركوك ) . وتستلزم صيغة تأميم شركة نفط البصرة الحد الأدنى من تقنين انتاج النفط العربي ( اي ما تم بالفعل بموجب اغلاق قناة السويس وما انقطع من النفط بسبب العدوان الاستعماري - الاسرائيلي الاخير ، والتضامن الشعبي والرسمي ، والتقشف الاقتصادي السليم . وذلك بالنظر لضآلة نسبة انتاجها ورأسمالها المدفوع الى مجموع انتاج شركات النفط العاملة في العراق ورؤوس اموالها . فإنتاج شركة نفط البصرة لا يزيد على ثلث مجموع انتاج النفط الخام في العراق ورأسمالها المدفوع البالغ ١٢,٤ مليون باون استرليني لا يزيد على ۱۲ ٪ من مجموع رأس المال المدفوع لشركات نفط العراق والبصرة والموصل البالغ ١٠٨,٥ مليون باون استرليني.

والصيغة الاخيرة لتأميم النفط العراقي تقوم على اساس

استيعاب الطبيعة السياسية للمعركة الحاضرة . وعليه تقصر التأميم على حصة رؤوس الاموال الامريكية والانكليزية لشركات النفط العاملة في البلاد. وتشمل الحصة الامريكية ٢٣,٧٥ ٪ والحصة الانكليزية المباشرة ٢٣,٧٥ ٪ يضاف اليها حصتها البالغة ٤٠ ٪ من رؤوس أموال شركة رويال دج شيل والبالغة حوالي ٩,٢٧٥٪ فيكون مجموع رؤوس الاموال الخاضعة للتأميم بموجب هذه الصيغة حوالي ٥٦,٧٧٥ ٪ من مجموع رؤوس اموال شركات النفط العاملة في العراق . ومن الطبيعي ان تقتضي هذه الصيغة، درجة من درجات تقنين النفط العربي وهي الحاصلة بالفعل وإن لم تكن بالتخطيط . إلا انها تستلزم قيام التضامن الشعبي - الرسم التضامن الشعبي - الرسمي ، وتخطيط التقشف الاقتصادي السليم .

لا حاجة لأن نتوقف طويلا عند المقارنة بين هذه الصيغ الاربع ، لأنها لا تكون بدائل كاملة تعوض احداها عن الاخرى . بل انها تمثل مراحل مختلفة لعملية تأميم النفط العراقي . فقد يبدأ التأميم بالصيغة الاخيرة وينتهي الى الصيغة الاولى.

ولذا فمن الضروري التركيز على الامكانات العملية للبدء بتطبيق صيغة تأميم حصتي اميركا وبريطانيا من رؤوس اموال شركات النفط العاملة في العراق.

من الواضح ان لا وجود لمانع قانوني يحول دون هذا التأميم بالنظر لأنه حق من حقوق سيادة الدولة على مواردها الاقتصادية وفق قرار هيئة الامم المتحدة وحكم محكمة العدل الدولية . الا أنه من المجدي مناقشة نقطتين يمكن اثارتهما هنا . الاولى تخص جواز التأميم الكلي ولكن عدم جواز التأميم الجزئي . إلا ان هذه النقطة غير قانونية لأنها تخالف القاعدة القانونية القائلة : (ما يجوز كله يجوز بعضه) (۱) .

والثانية تخص التعويض والقدرة على دفعه . فإن مشروعية التأميم تتوقف على القدرة على تعويض رأس المال المؤهم. وهنا لا بد من الملاحظة بأن مجموع رأس المال المدفوع لشركات النفط العاملة في العراق يبلغ ١٠٨,٥ مليون باون استرليني، بينما تبلغ قيمة رأس المال المؤمم ، وهو ما يساوي ٥٦,٧٧٥ ٪ من المجموع حسب الصيغة الرابعة للتأميم ، ٦١,٦ مليون باون استرليني . ( وبالنظر لانعــــــدام وجود اسهم تصدرها شركات النفط العاملة في العراق ، يصار الى القيمة الدفترية لموجوداتها ناقصاً الاندثار ، عند اجراء تقييم رأس المال المؤمم ) . اما عن القدرة على دفع هذا التعويض ، فاكتفي باقتباس تقديرات السيد عبد اللطيف الشواف لما يستحقه العراق على شركات النفط من فروق حسابات ایراداته خلال ١٩٥٥ - ١٩٦٥ ، وذلك كما يلي :

(بلغت طلبات الحكومة عن الفروقات المالية المتعلقة بحسابات الكلفة والخصم والاسعار للمدة من سنة ١٩٥٥ الى ١٩٦٠ مبلغا قدره ٣٦,٦٧٦,٣٥٠ دينار ... اما فروقات السنين من ١٩٦١ الى ١٩٦٥ فلم تقدم الحكومة الى الشركات اخطارات بشأنها ، ولكن اذا اخذنا معدل السنين السابقة مضافا اليه زيادة سنوية بنسبة الانتاج فستكون ٥٨,٥ مليون دينار تقريباً ... و من ذلك كله يتبين ان مجموع الفروقات يخمن بـ ٩٥ مليون ) (١) .

كما انه من الواضح ايضاً امكان ادارة المنشآت النفطية حتى في حالة عدم تعاون المساهمين الآخرين ( فرنسة وهولندة وكلبنكيان ) من الزاويتين الادارية والفنية. إذ ان ما حصل من خبرة وملاكات عراقية نفطية كافية لاداء هذه المهمة . وما قد يحتاجه العراق من خبر وملاكات اضافية فبامكانه استئجارها بثمن . وخير دليل على ذلك نجاح العراق، باستلام ادارة مصفى الدورة في بغداد في مستهل ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨.

ومع ذلك تبقى عقبتان اقتصادیتان مترابطتان . وهما تسويق النفط العراقي المؤمم ، وادارة الاقتصاد الوطني وتوجيهه خلال المراحل الأولى للتأميم والادوار الاولى لمقاومته من قبل احتكار البترول الدولي. ويتجلى الترابط بين هاتين العقبتين من التفاعل فيما بينها . فكلما تيسر امكان تسويق نسبة اكبر من انتاج النفط العراقي المؤمم ، على قدر ذلك تتيسر ادارة الاقتصاد الوطني بدرجة أقل من التقشف . وكلما زادت درجة الاقتصاد في الانفاق غير الضروري على المستوى الرسمي والشعبي على قدر ذلك يتيسر تسويق النفط العراقي المؤمم في الخارج ، إذ يصبح العراق أقدر على دخول اسواق النفط بسعر منافس لغيره من مصادر النفط الخام في العالم .

وتسهيلا للبحث والمناقشة ، لنفترض ان تأميم حصة انكلترة وامريكة قد جرى على اسس منها :

۱ - اخضاع شركات النفط العاملة في العراق القانون الشركات العراقي .

٢- الزام اصحاب الحصص الفرنسية والهولندية والفردية بتقاضي حصصهم من النفط عيناً

٣- التزام العراق بتطبيق منهج تقنين انتاج النفط العربي ومنع تصدير النفط العراقي الى اسواق بريطانيا والمانيا الغربية واميركا.

وعلى هذه الاسس يكون انتاج العراق المقنن من النفط الخام حوالي ٥٠ مليون طن خلال العام الأول من التأميم . وتكون حصة النفط العراقي المؤمم من هذا الانتاج حوالي ۲۸ مليون طن او حوالي ٥٦,٧٪ منه . وبموجب تطبيق الامتيازات الحالية على حصة فرنسة وهولندة وكلبنكيان يكون باقي النفط البالغ ٢٢ مليون طن مناصفة بين العراق وبينهم . ولذا يصبح مجموع النفط الخام المتاج للعراق حوالي ٣٩ مليون طن تقريبا .

ولنتأمل في مسألة تسويق الـ ٣٨ مليون طن من النفط المؤمم على أساس من الاسواق النفطية المتاحة والايرادات المالية المتأتية في ثلاث حالات

اولاً : الحالة القصوى - يظهر من دراسة الجدول رقم (۱۰)

الجدول رقم (١٠)

امکانیات تسويق النفط العراقي المؤمم والمقايضة التجارية في

١٩٦٤ و ١٩٦٥

القطر صادرات النفط العراقي صادرات النفط العالمي استيرادات العراق

مليون طن ١٩٦٤ مليون طن ١٩٦٤ مليون دينار ١٩٦٥

ايطالية 7.1 55.2 5.3

فرنسة 8.6 49.3 2.3

هولندة 0.3 23.4 3.0

السويد 0.5 3.5 3.4

النرويج 0.5 2.7 0

الدنمارك 0.1 3.0 0.9

بلجيكا ولكسمبورج 1.9 13.3 6.6

مجموع اوربة الغربية 19.0 15.4 21.5

اليابان 2.9 61.4 9.1

تركية 1.7 3.1 0.6

سيلان - 1.2 4.2

الهند - 6.6 3.0

الباكستان - 4.8 0.9

سوريا } 2.0 } 2.0 2.3

لبنان } } 3.7

الاردن } } 0.8

مجموع آسية 6.6 78.2 24.6

يوغوسلافية 0.35 0.8 1.6

بولندة - 3.2 7.4

بلغارية - 2.1 1.2

المانية الديمقراطية - 4.9 1.3

مجموع اوربة الشرقية 0.35 11.0 11.5

المجموع العام 25.9 57.6

ومن دراسة تفصيلية لأسواق النفط العراقي لعام ١٩٦٤ ، ان مجموع ما استوعبته الاسواق المختلفة منه بلغ ٢٥,٩ مليون طن، بعد استثناء اسواق بريطانية والمانية الغربية وامريكة . وحتى اذا ما استثنينا حصة السوق الفرنسية والهولندية من صادرات النفط العراقي في تلك السنة ، لبلغ ما استوعبته الاسواق الباقية حوالي ١٧ مليون طن . هذا وبامكان العراق زيادة تصديره من النفط الخام الى هذه الاسواق لسببين .

الأول هو ان نسبة النفط العراقي الى مجموع استهلاكها واطئة جداً . مثال ذلك ايطالية

التي استوردت ٥٥,٢ مليون طن من النفط الخام في عام ١٩٦٤ لم تزد صادرات النفط العراقي اليها على ٧,١ مليون طن في نفس السنة . ثم فرنسة التي كانت تستورد ٤٩,٣ مليون طن ، بلغ النفط العراقي المصدر اليها ٨,٦ مليون طن في نفس السنة . كذلك الحال في اليابان التي استوردت حوالي ٦١,٤ مليون طن ، بلغت صادرات النفط العراقي اليها ٢,٩ مليون طن فقط.

اما السبب الثاني فهو ارتفاع استيراد العراق من اسواق هذه البلدان . ومن هنا تنشأ المصلحة المتبادلة التي تحمل هذه البلدان ، عبر المفاوضات والاتفاقات التجارية ، على زيادة استيراداتها من النفط العراقي المؤمم لقاء الحفاظ على مستوى استيرادات العراق منها ، بل وزيادتها بعض الشيء على حساب استيراداته السابقة من الاسواق البريطانية والامريكية و الالمانية، موضوع المقاطعة الاقتصادية. . ولنفترض ان الزيادة في تصدير النفط الخام العراقي

المؤمم الى هذه الاسواق لا تعدو الزيادة الطبيعية لاستهلاكها منه خلال العامين الماضيين ، أو ۱۰% سنوياً ، عندئذ يرتفع مقدار النفط المصدر الى اسواق العراق التقليدية الى حوالي ٢٠ مليون طن.

اما المجموعة الاخرى من الاسواق الجديدة للنفط العراقي المؤمم ، فتتكون من الاقطار الآسيوية التي يستطيع العراق

ان يقايضها النفط الخام لقاء استيراداته منها وهي سيلان والهند والباكسان . استوردت هذه الاقطار ما يعادل ١٢,٦ مليون طن من النفط الخام في ١٩٦٤ من خارج العراق . كما تتكون من عدد من الاقطار الأوربية الاشتراكية ( عدا الاتحاد السوفياتي) التي يستورد العراق منها بمبالغ مهمة وعلى الاخص بولندة ويوغوسلافية وبلغارية والمانية الديمقراطية . استوردت هذه الاقطار ما مجموعه ۱۱ مليون طن من النفط السوفياتي في ١٩٦٤ . وعلى هذا الاساس ، بلغ مجموع ما استوردته هذه المجموعة من الاقطار الاسيوية والاشتراكية حوالي ٢٣,٦ مليون طن في عام ١٩٦٤

هنالك مصلحة مشتركة بين هذه الاقطار في الحفاظ على سوق العراق لصادراتها وللعراق في فتح اسواقها لصادرات نفطه المؤمم . كما هنالك مصلحة للاتحاد السوفياتي المصدر الرئيسي لهذه الاقطار بالاتفاق مع العراق على قيام الاخير بتجهيزها بالنفط الخام المؤمم ، اضعافاً لمركز احتكار البترول الاستعماري المناهض الرئيسي للاشتراكية والبترول السوفياتي ، ودعماً للنفط المؤمم من جهة ، ولانخفاض تكاليف نقل النفط العراقي الى هذه الاسواق ولا سيما الآسيوية منها ، من الجهة الاخرى .

ويظهر مما تقدم ان العراق في حالة الحد الاقصى يستطيع تسويق مجموع انتاج نقطه المؤمم البالغ ۳۸ مليون طن. وعلى اساس الاسعار السائدة قبل أزمة الشرق الأوسط الراهنة ، و بصرف النظر عن الآثار الايجابية لتقنين انتاج النفط العربي على الاسعار ، يبلغ ايراد العراق من نفطه المؤمم ومن حصته من ارباح النفط. غير المؤمم حوالي ١٦٠ مليون دينار (١) .

وواضح ان هذه تزيد على ايرادات العراق المتوقعة من النفط للعام الحاليوقبل العدوان الاسرائيلي - الاستعماري على الأمة العربية

ثانياً : الحالة الدنيا - يقتصر النفط العراقي المؤمم وحصة العراق من انتاج النفط غير المؤمم ، في هذه الحالة ، على اسواقه التقليدية ، ، عدا الاسواق البريطانية والامريكية والالمانية. وهذه الاسواق تشمل ، حسب أهميتها : ايطاليا ، واليابان،

وبلجيكا ولوكسمبورج ، وتركيا ، والسويد ، والنرويج ، والدانمارك ، ويوغوسلافيا . ويبلغ ما استوردته هذه الاسواق النفط العراقي في ١٩٦٤ زائداً النمو الطبيعي للاستهلاك حوالي ۲۰ مليون طن .

وحتى في هذه الحالة، تبلغ ايرادات العراق من النفط المؤمم وحصته من ارباح النفط غير المؤمم حوالي ۸۰ مليون دينار سنوياً . وهذا الايراد يقل عن ايرادات النفط المضمنة في قانون الميزانية للسنة المالية الحالية بحوالي ٦٠ مليون دينار .

وهنا يأتي دور ادارة الاقتصاد الوطني باستثمار السعات الانتاجية الصناعية والزراعية الى الحد الاقصى الممكن لزيادة الانتاج الوطني ، ودور الاستعداد الشعبي لتحمل أعباء سياسة التقشف الاقتصادي العادل ، وتطبيق المقاطعة الاقتصادية للسلع غير الضرورية من الاسواق الاستعمارية والبريطانية والاميركية والالمانية .

من المعروف ان ايرادات النفط الحكومية كانت تصرف في الاساس على الرواتب والاجور وعلى الاستيراد الحكومي . إلا أن نسبة المصروف من الرواتب والاجور المتأتية عن ايرادات النفط على الاستيراد عالية جداً . حيث يقابل كل مليون دينار اضافي من عوائد النفط حوالي ما يزيد على ثلاثة ارباع مليون دينار اضافي في قيمة تجارة الاستيراد . وعلى هذا الاساس ، سيتوقف العبء الرئيسي ، في حالة تصدير النفط العراقي المؤمم بالحد الأدنى ، على إحداث التوازن الخارجي بين قيمة

الصادرات النفطية والصادرات الاخرى وبين قيمة الاستيراد الضروري للاقتصاد الوطني .

ومن هنا تتضح أهمية مقاطعة الاسواق البريطانية والاميركية والالمانية لا في الضغط عليها سياسياً واقتصادياً فحسب ، بل في تحقيق الاقتصاد التام في الاستيراد العراقي .

لقد بلغت قيمة استيرادات العراق من هذه الاسواق الثلاث ٥٢,٤ مليون دينار سنوياً فقط ، كما هو واضح من الجدول رقم (١١) .

ويمكن تقسيمها ، على افتراض اختزالها ، الى ثلاثة اقسام . قسم ضروري لا بد من الاستمرار على استيراده كبعض الادوات الاحتياطية والمواد الاولية للمعامل وغيرها . وهو يمثل الخمس من مجموع قيمتها ، او حوالي عشرة ملايين دينار. وقسم آخر يمكن تحويله الى الاسواق التي تبدي استعدادها لزيادة استيراداتها النفطية وغير النفطية من العراق وهو يمثل الخمسين أو حوالي ۲۰ مليون دينار . وقسم آخر يمكن الاستغناء عنه من خلال الاقتصاد في النفقات على الاستيراد غير الضروري من هذه الاسواق . وهو يمثل الخمسين الباقيين من قيمة الاستيراد من اسواق امريكا وبريطانيا والمانيا الغربية.

الجدول رقم (۱۱)

حدود المقاطعة النفطية والاقتصادية في العراق

١٩٦٤ و ١٩٦٦

القطر صادرات النفط العراقي ١٩٦٤ استيرادات العراق ١٩٦٦

مليون طن/ دينار مليون دينار

بريطانية 11.4 57.0 23.9

الولايات المتحدة - - 17.2

المانية الغربية 5.4 27.0 21.3

المجموع 16.8 84.0 52.4

المجموع العام - - 114.8

المصدر : احصاء التجارة الخارجية

وهنا يأتي دور التقشف الشعبي من اجل التحرير النفطي والتطور الحر . اذ ان الاقتصاد الوطني بحاجة الى الاقتصاد بالنفقات على تجارة الاستيراد والى دعم تجارة التصدير . . ان تطبيق المقاطعة الاقتصادية على هذه الاسواق الاستعمارية يؤدي الى تخفيض الاستيراد من ١٧٥ الى حوالي ١٥٥ مليون دينار ويقتضي تحقيق توازن ميزان المدفوعات العراقي تخفيض هذا الاستيراد بحوالي ٣٥,٥٪ بحيث يهبط الى حوالي ۱۰۰ مليون دينار. ويستلزم زيادة التصدير الى حوالي ١٥ مليون دينار وهو ما تم تحقيقه في السنة الأولى لثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ . أضف الى ذلك ان ما قيمته خمسة ملايين من استيرادات العراق هي على حساب القروض من الدول الصديقة . وعلى هذا يكون التوازن الاقتصادي الخارجي على الوجه التالي :

يربط مجموع قيمة الاستيراد من حوالي ١٧٥ مليون الى دينار ( منها فقط عشرة ملايين دينار من اسواق امريكا وبريطانيا والمانيا ) نتيجة للمقاطعة والتقشف الاقتصاديين .

و تصبح ايرادات العراق من النفط حوالي ۸۰ مليون دينار على اساس التصدير بالحد الأدنى ، وترتفع صادراته الاخرى الى ١٥ مليون، تضاف الى ذلك خمسة ملايين من القروض الخارجية، فيكون مجموع الإيرادات المنظورة حوالي ۱۰۰ مليون دينار . وبذلك يتم التوازن الخارجي في الاساس .

اما التوازن الداخلي ، المادي والنقدي ، بين الدخول والسلع والخدمات المتاحة ، فيمكن تحقيقه اذا ما حصل التقشف التام في النفقات العامة والتعبية التامة للإيرادات العامة من جهة ؛ واذا تم توجيه الانتاج الوطني نحو الاستغلال التام للسعات الانتاجية الجاهزة وتوجيه النفقات الشخصية توجيها يؤدي الى زيادة الادخار الاختياري والاجباري من الجهة الاخرى . على ان تقوم الدولة بتنظيم التجارة الخارجية والداخلية تنظيما يحنث سوء الاستغلال والتأثير الاحتكاري على الاسعار . وقد يصار إلى استخدام القروض الداخلية لامتصاص جزء من فائض الدخل النقدي لمساهمة الطبقات المترفة في حالة التقشف التي يضطلع بها الشعب لانتزاع حقوقه النفطية

ثالثاً : الحالة الوسطى : الا ان الحياة قد لا تقود الاقتصاد الوطني ، في حالة التأميم القائم على توافر التضامن الشعبي الحكومي الذي جاءت ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ لتحقيقه اصلا ، إلا إلى حالة وسطى بين الحد الاقصى والحد الادنى. أي ان يتم تصدير ما يقارب ٣٠ مليون طن من النفط الخام المؤمم ، مما يحقق ايراداً يساوي ۱۲۰ مليون دينار . وعندئذ يتحقق التوازن الخارجي والداخلي بفعل تنفيذ مقاطعة الاسواق الاستعمارية

ويتحقق تسويق النفط المؤمم بحكم التقنين الفعلي الذي فرضته المعركة الحاضرة ، ولاسيما اغلاق قناة السويس وما تم بالفعل من عجز في عرض النفط العالمي بالنسبة للطلب العالمي عليه ، وليس بفعل تقنين انتاج النفط العربي المخطط الذي سبق بحثه . اما التوازن الداخلي بين مستوى الدخل وعرض السلع والخدمات ، فيتوقف على قيام سلطة الشعب التي تحقق التضامن الشعبي - الحكومي من جهة ، وعلى السياسة الاقتصادية التقشفية السليمة من الجهة الاخرى . ان التقشف الاقتصادي الشعبي ممكن فقط على أساس من النضال في تحقيق هدف وطني شعبي كبير - وما أعظم من ملكية الشعب لاعظم مورد اقتصادي وما اعظم سيطرته عليه وتسخيره لخدمة تطور الاقتصاد الوطني في خضم معركة ضارية تخوضها الامة العربية ضد الاستعمار البترولي - الاسرائيلي العالمي !

ملحق رقم (۱)

قانون

رقم ( ٨٠ ) لسنة ١٩٦١

تعيين مناطق الاستثمار لشركات النفط

المادة الأولى - يراد بالكلمات والعبارات الآتية المعاني المبينة ازاءها :

الشركات : شركة نفط العراق المحدودة وشركة نفط الموصل المحدودة وشركة نفط البصرة المحدودة.

المناطق المحدودة : هي الاراضي التي يحق لكل شركة من الشركات القيام فيها بعملياتها•

الاراضي : اية ارض مغمورة بالماء او غير مغمورة .

المادة الثانية - تكون المنطقة المحدودة لكل شركة من الشركات معينة وفق الجدول الملحق بهذا القانون•

المادة الثالثة - لحكومة الجمهورية العراقية اذا ارتأت تخصيص اراضي اخرى لتكون احتياطاً للشركات على ان لا تزيد على مساحة المنطقة المحدودة لكل شركة.

المادة الرابعة - تكون الاراضي التي لا يسري عليها حكم المادتين الثانية والثالثة من هذا القانون خالية من جميع الحقوق التي ترتبت عليها الشركات وتكون الترتيبات اللازمة لضخ النفط ونقله عبر هذه الاراضي معمولاً بها بشرط ان لا يخل ذلك بأي استعمال للأرض قانوني او معقول.

المادة الخامسة - ١ - على الشركات ان تقدم خلال ثلاثة اشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون الى الحكومة مجاناً جميع المواد والمعلومات الجيولوجية والجيوفيزيائية وجميع المعلومات والامور المتعلقة بالهندسة النفطية الخاصة بالأراضي المشمولة بحكم المادة الرابعة من هذا القانون

۲ - اذا امتنعت اية شركة عن تقديم المعلومات المطلوبة بالفقرة الاولى من هذه المادة فتكون ملزمة بتعويض الحكومة عما لحقها من ضرر وما فاتها من كسب نتيجة لهذا التأخير أو بسببه.

المادة السادسة - ينفذ هذا القانون اعتباراً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية .

المادة السابعة - على الوزراء تنفيذ هذا القانون

كتب ببغداد في اليوم الثالث من شهر رجب سنة ١٣٨١

المصادف لليوم الحادي عشر من شهر كانون الأول سنة ١٩٦١

الجدول الملحق بقانون تعيين مناطق استثمار النفط رقم ( ۸۰ ) لسنة ١٩٦١

( راجع الخرائط المحفوظة بنسختين لدى وزارتي النفط والدفاع )

النقاط التي تعين المنطقة احداثيات النقاط المساحة بالكيلومترات المربعة

العرض ( الشمال ) الطول (الشرق)

التسلسل الشركة ثانية دقيقة درجة ثانية دقيقة درجة

شركة نفط العراق المحدودة

1 منطقة كركوك 1 47.10 0.1 36 29.70 39 43

2 48.20 55 35 00.40 44 43

3 28.10 45 35 00.00 00 44

4 46.00 35 35 34.90 10 44

5 18.90 30 35 19.60 20 44

6 43.30 23 35 53.60 21 44

7 15.70 23 35 13.00 32 44

8 58.30 32 35 53.60 21 44

9 34.20 42 35 36.30 06 44

10 7.50 48 35 24.40 01 44

11 52.30 53 35 25.60 50 43

12 28.80 02 36 34.40 41 43 478.75

( تابع ما قبله )

2 منطقة باي حسن 13 02.90 41 35 25.70 49 43

14 11.00 32 35 03.20 07 44

15 29.20 33 35 07.90 08 44

16 58.00 37 35 51.00 03 44

17 54.40 41 35 06.20 57 43

18 00.20 43 35 12.20 51 43 182.500

3 منطقة جمبور 19 14.10 13 35 13.60 26 44

20 50.80 03 35 57.00 35 44

21 47.30 05 35 39.20 37 44

22 16.20 14 35 23.30 28 44 86.500

( تابع ما قبله )

شركة نفط الموصل المحدودة

4 منطقة عين زالة 1 12.30 42 36 39.40 32 42

2 30.78 43 36 39.50 40 42

3 16.00 45 36 48.50 39 42

4 31.60 44 36 13.90 32 42 45.500

5 منطقة بطمة 5 12.20 37 36 21.50 37 42

6 46.50 36 36 19.90 41 42

7 06.08 38 36 31.50 41 42

8 45.10 38 36 38.60 37 42 16.500

شركة نفط البصرة المحدودة

6 منطقة الرميلة 1 25.60 26 30 09.30 16 47

2 27.80 21 30 00.00 15 47

3 30.90 07 30 47.80 20 47

4 50.00 07 30 17.40 28 47

5 03.00 12 30 30.60 28 47

6 30.70 20 30 26.60 26 47

7 56.10 25 30 12.70 25 47 568.250

7 منطقة الزبير 8 17.10 31 30 08.50 31 47

9 49.90 27 30 22.30 32 47

10 42.90 26 30 41.90 32 47

11 24.10 17 30 10.20 39 47

12 24.10 07 30 45.30 41 47

13 36.50 07 30 18.20 49 47

14 59.20 12 30 09.90 51 47

15 29.80 24 30 08.00 41 47

16 17.80 28 30 07.80 39 47

17 10.90 31 30 41.30 38 47 559.750

ملحق رقم (۲)

قانون رقم ( ٩٧ ) لسنة ١٩٦٧

تخصيص مناطق الاستثمار لشركة النفط الوطنية العراقية

استناداً الى احكام المادة (٤٤) من الدستور المؤقت وبناء على ما عرضه وزير النفط وبموافقة مجلس الوزراء .

صدق القانون الآتي :

المادة الاولى - ۱ - تخصص وتمنح لشركة النفط الوطنية العراقية حصراً بموجب احكام هذا القانون حقوق استثمار النفط والمواد الهايدروكاربونية في جميع الاراضي العراقية بما في ذلك المياه الاقليمية وجرفها القاري والمصالح العراقية في منطقة الحياد. و لشركة النفط الوطنية العراقية ان تمارس فيها جميع العمليات المنصوص عليها في قانون تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية رقم (١١) لسنة ١٩٦٤ وتعديلاته .

۲ - لا يشمل حكم الفقرة السابقة المناطق المعينة بموجب المادة الثانية من قانون تعيين مناطق الاستثمار لشركة النفط رقم (٨٠) لسنة ١٩٦١

المادة الثانية - لا يجوز تطبيق احكام المادة الثالثة من القانون رقم (۸۰) لسنة ١٩٦١ على ما يلي :

المناطق التي تشرع شركة النفط الوطنية بعملية استثمار فيها.
اية منطقة يقع فيها حقل او جزء من حقل تم الكشف عن النفط فيه

المادة الثالثة -١ - تستثمر جميع المناطق النفطية المخصصة . المادة الاولى من هذا القانون لشركة النفط الوطنية موجب العراقية استثماراً مباشراً من قبلها .

۲- ولشركة النفط الوطنية العراقية ان تستثمر أي منطقة من المناطق المخصصة عن طريق الاشتراك مع الغير اذا وجدت ذلك افضل لتحقيق اغراضها . وفي هذه الحالة لا يتم التعاقد على ذلك إلا بقانون .

٣- وفي جميع الاحوال لا يجوز لشركة النفط الوطنية

العراقية ان تستثمر النفط في المناطق المخصصة لها كافة بطريق الامتياز او ما في حكمه

٤- لا يؤثر تعاقد شركة النفط الوطنية العراقية بموجب الفقرة الثانية من هذه المادة على الملكية العامة لما في باطن الارض من مواد نقطية وهايدروكاربونية بأي شكل كان . ولا يجوز ترتيب أي حق عيني أصلي او تبعي عليها .

المادة الرابعة - ١ .. تنتقل ملكية جميع المواد والمعلومات الجيولوجية والجيوفيزيائية والمعلومات المتعلقة بالهندسة النفطية الخاصة بالأراضي المشمولة بحكم المادة الاولى من هذا القانون الى شركة النفط الوطنية العراقية بدون عوض

٢ - لوزارة النفط الحصول بدون عوض على نسخة اصلية او صورة طبق الاصل من المواد والمعلومات المشار اليها في الفقرة (۱) السابقة.

المادة الخامسة - ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية .

المادة السادسة - على الوزراء تنفيذ هذا القانون.

كتب ببغداد في اليوم التاسع والعشرين من شهر ربيع الثاني

لسنة ١٣٨٧ المصادف لليوم السادس من شهر آب لسنة ١٩٦٧

المحتويات

الفصل الاول : - طبيعة الاستعمار الجديد والثورة العربية

والمعركة الحاضرة ۱۷

طبيعة الاستعمار الجديد

نظرية الثورة المركبة.

أبعاد المعركة الحاضرة.

الفصل الثاني : - طبيعة احتكار البترول الدولي ٣٩

خاصية اختلال التوازن بين احتياطي النفط

العربي وإنتاجه.

خاصية اختلال التوازن بين صادرات النفط

العربي وتكاليف إنتاجه المقارنة.

خاصية اختلال التوازن بين النفط الخام والنفط

المصفى.

خاصية اختلال التوازن بين إنتاج النفط العربي

و استهلاکه.

خاصية ضآلة نسبة رأس المال العربي الى رأس

المال الاستعماري في صناعة النفط•

خاصية ارتفاع نسبة الارباح النفطية الصافية الى رؤوس الأموال المستثمرة .

خاصية انخفاض نسبة الأيدي العاملة الى الإنتاج .

خاصية تسعير النفط الخام تسعيراً احتكارياً .

خاصية تبعية الاقتصادات النفطية العربية

لاحتكار البترول الدولي .

الفصل الثالث : - تقنين النفط العربي ٦۳

جوهر احتكار البترول الدولي .

العلاقة بين النفط السوفييتي والعربي واحتكار

البترول الدولي .

سبل التحرر النفطي .

زاويتا الإنتاج وملكية رأس المال لتسخير النفط العربي في المعركة الحاضرة .

نشأة فكرة التقنين

تعريف التقنين•

مشروع لتقنين النفط العربي .

آثار التقنين•

النفط السوفييتي وتقنين النفط العربي .

الفصل الرابع: - تأميم النفط العراقي ٨٣

أسلوبا المفاوضات والتشريعات لتحقيق الحقوق

النفطية .

أوجه الغبن في امتيازات النفط الجالية

مطالب العراق النفطية

سياسة المفاوضات وضغط الشركات

سياسة التشريع والقانون رقم ( ۸۰ ) لسنة١٩٦١

لائحة وقانون شركة النفط الوطنية العراقية . تقرير مفاوضات النفط ومسودة لا تحتي تعديل امتيازات النفط وتأسيس شركة بغداد .

مقدماتها .

نتائجها•

قانون تخصيص مناطق استثمار النفط الشركة النفط الوطنية العراقية رقم (٩٧) لسنة ١٩٦٧ قوة احتكار البترول الدولي والتأميم .

مناقشة مبدأ التأميم الجماعي . أسباب تأميم النفط العراقي . صيغ تأميم النفط العراقي قانونية التأميم .

إمكانية التأميم الادارية والفنية.

إمكانيات تسويق النفط المؤمم وادارة

الاقتصاد الوطني.

الحالة القصوى.

الحالة الدنيا•

الحالة الوسطى.

ملحق•

الجداول

الجدول رقم

١ حصص الشركات الثماني الكبار من انتاج النفط الخام في العالم لعام ١٩٦٦•

۲ مركز النفط العربي في النفط العالمي .

٣ تكاليف إنتاج النفط الخام للبرميل الواحد بالسنتات الامريكية ١٩٦١- ١٩٦٤

٤ توزيع ملكية رأس المال الاستعماري في صناعة النفط العربية .

٥ صافي الربح على رأس المال الموظف في عمليات الانتاج في بعض الاقطار العربية بملايين الدولارات ١٩٥٦-٦٠

٦ نسبة الارباح الى رؤوس الاموال في بعض الصناعات الاخرى.

٧ عمال البترول في البلاد العربية

٨ عائدات البترول العربي لعام ١٩٦٥

٩ حدود المقاطعة النفطية على أساس صادرات النفط الخام لسنة١٩٦٤

۱۰ إمكانيات تسويق النفط العراقي المؤمم والمقايضة التجارية في ١٩٦٤ و ١٩٦٥

۱۱ حدود المقاطعة النفطية والاقتصادية في العراق ١٩٦٤ و ١٩٦٦

هذا الكتاب

يتناول كتاب محمد سلمان حسن اهم واخطر يواجهها العراق ، وهـي قضية النفط ، التي اصبح مفتاحاً لجميع مشاكله الأخرى . ويقدم هذا الكتاب لهذه المشاكل ، عن طريق دراسة اخطر واحدة من بينها

( عبد الوهاب محمود )

ويبحث هذا الكتاب :

الاستعمار الجديد والثورة العربية .

احتكار البترول الدولي .

تقنين النفط العربي.

* تأميم النفط العراقي.

دار الطليعة للطباعة والنشر

بيروت